الشعب المصري يتميّز بتراث حضاري وإنساني عريق، ضاربٍ في عمق التاريخ. من أبرز سماته: الحكمة، الصبر، روح النكتة، والقدرة على التعايش مع مختلف الثقافات، إلى جانب التمسك بالقيم العربية والإسلامية الأصيلة. المصريون معروفون بقدرتهم على احتضان الآخرين، والدفاع عن العدل، والحرص على وحدة الأمة. هذه الصفات جعلت من مصر على مدى القرون، الأم العربية المسؤولة، التي تحنو على أشقائها وتنهض دائمًا للدفاع عنهم في أوقات الشدة والرخاء.
ولأن مصر كانت دائمًا مهد الحضارة، فقد احتضنت عبر تاريخها كنوز الإنسانية؛ فهي تضم ثلث آثار العالم، شاهدة على عبقرية المصري القديم، ومُلهمة للأجيال الحديثة في شتى المجالات. وفي قلبها يقف الأزهر الشريف، منارة العلم والإسلام الوسطي منذ أكثر من ألف عام، يمدّ العالميّن العربي والإسلامي بعلمائه ومفكّريه، وينشر قيم التسامح والاعتدال في مواجهة التطرف.
لقد مثّل الأزهر ركيزة أساسية في بناء الهوية العربية الإسلامية، وساهم في دعم الوعي الثقافي والديني في مختلف الأقطار العربية، ليظل رمزًا خالدًا للعقل والروح المصرية المنفتحة على الجميع.
منذ القدم، لم تكن مصر تبحث عن مجد ذاتي فحسب، بل كانت تعتبر قوتها وسياستها وسلاحها في خدمة الأمة العربية كلها. من حروب التحرير إلى مبادرات السلام، ومن دعم الثورات العربية إلى قيادة مؤسسات التعاون الإقليمي، بقيت مصر رمزًا للعروبة الفاعلة، وصوتًا عاقلًا ومسؤولًا في الدفاع عن مصالح العرب في المحافل الدولية.
الأمومة المصرية للعرب
امتد الدور المصري عبر السنين ليشمل كل الدول العربية، ضمن رؤية تستند إلى الريادة التاريخية والمسؤولية الأخلاقية تجاه الأشقاء:
1.الدعم الاقتصادي والمالي
قدّمت مصر دعمًا ماليًا واقتصاديًا متبادلًا للدول العربية، سواء عبر اتفاقيات تجارية، أو من خلال استثمارات ومشروعات تنموية. فقد لعبت دورًا محوريًا في تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 لتكون الإطار المؤسسي للتعاون الاقتصادي والسياسي بين الأشقاء.
كما ساهمت مصر، عبر شركاتها وبنوكها الوطنية، في تنفيذ مشروعات بنية تحتية وتنمية بشرية في دول عربية عديدة مثل السودان، ليبيا، العراق، وسوريا. وفي السنوات الأخيرة، ورغم الظروف الاقتصادية الداخلية، استمرت القاهرة في إرسال المساعدات الإنسانية والطبية إلى غزة، السودان، ولبنان، تأكيدًا لدورها الدائم في دعم الاستقرار العربي.
2.الدعم الإنساني
لم تتأخر مصر عن نجدة الأشقاء في أوقات الأزمات. فتحت أبوابها للاجئين من فلسطين، والسودان، وسوريا، واليمن، ووفّرت لهم الأمن والتعليم والرعاية الصحية دون تفرقة. كما شاركت فرق الإنقاذ المصرية في العديد من الكوارث الطبيعية في الدول العربية، من زلازل المغرب والجزائر إلى فيضانات السودان، مبرهنة أن التضامن العربي عند المصريين ليس شعارًا بل ممارسة واقعية. منذ عام 2014، نفّذت مؤسسات مصرية حكومية وخيرية أكثر من 300 مشروع إنساني وطبي وتعليمي في العالم العربي، بالتنسيق مع منظمات إقليمية ودولية.
3.الدعم السياسي والدبلوماسي
مصر كانت ولا تزال صوت العرب في العالم. وقفت في صف القضايا العربية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ودعمت مبدأ السيادة الوطنية للدول العربية في مواجهة التدخلات الخارجية. قاد الدبلوماسيون المصريون وساطات عديدة بين الأشقاء العرب لتسوية النزاعات بالحوار، مثل الوساطة بين الفصائل الفلسطينية، أو بين الأطراف السودانية، أو دعم الحلول السلمية في ليبيا واليمن. وفي مؤتمرات القمم العربية والإفريقية، ظلت القاهرة تدعو إلى وحدة الصف العربي، والتكامل الاقتصادي، واحترام سيادة الدول، وإحياء الدور العربي المشترك.
4.الدعم الاستثماري
لعبت مصر دورًا مهمًا في بناء استثمارات عربية مشتركة. فقد استضافت مقار العديد من الصناديق والمؤسسات الاقتصادية العربية، مثل صندوق النقد العربي واتحاد المصارف العربية. كما انفتحت على الاستثمارات الخليجية والعربية لتكون جسرًا بين رؤوس الأموال من الخليج والمشروعات التنموية في إفريقيا. استثمرت الشركات المصرية في قطاعات الزراعة والإعمار والطاقة في السودان والعراق وليبيا، وأسهمت في تنفيذ مشاريع كبرى عززت التكامل العربي في مجالات البنية التحتية، والطاقة، والاتصالات.
السياق التاريخي والسياسي للمؤازرة المصرية
منذ فجر التاريخ الحديث، كانت مصر قلب العروبة النابض، من ثورة 1919 إلى ثورة يوليو 1952 التي حملت شعار “الوحدة العربية”.
قاد الزعيم جمال عبد الناصر مرحلة النهضة القومية العربية، فدعمت مصر حركات التحرر الوطني في الجزائر واليمن وفلسطين والخليج العربي، وقدّمت تضحيات جسامًا من أجل وحدة الصف العربي.
في عهد أنور السادات، انتقلت مصر إلى مرحلة جديدة من الواقعية السياسية، فجمعت بين الحرب والسلام، بين الدفاع عن الحق العربي والبحث عن حلول تحفظ الدماء.
أما في عهد حسني مبارك، فقد كان لمصر الدور الأبرز في الوساطات السياسية بين الدول العربية، وفي دعم الاستقرار الإقليمي.
ومنذ عام 2014، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، عادت مصر لتتبوأ مكانتها العربية والإفريقية، مؤكدة على أمن قومي عربي مشترك، ومبادرات للتكامل الاقتصادي والأمني، مع الحفاظ على سيادة واستقلال كل دولة عربية.
فلسطين: القضية المصرية المركزية
لم تغب فلسطين يومًا عن وجدان مصر، فهي القضية التي سالت من أجلها الدماء المصرية منذ عام 1948 وحتى اليوم.
1.الدعم المالي والاقتصادي
قدّمت مصر مساعدات مالية وإنشائية للفلسطينيين، وأسهمت في إعادة إعمار غزة بعد كل حرب. كما تشرف على معبر رفح لتأمين دخول المساعدات والإغاثة. ساهمت الحكومة المصرية في تنفيذ مشاريع إسكان وصحة وتعليم بتمويل مشترك مع الصناديق العربية، تجاوزت قيمتها 1.5 مليار دولار خلال العقد الأخير.
2.الدعم الإنساني
في كل عدوان على غزة، كانت المستشفيات المصرية في العريش والإسماعيلية تفتح أبوابها لاستقبال الجرحى. وأرسلت مصر مئات الشاحنات من الغذاء والدواء والوقود عبر معبر رفح. كما شاركت مؤسساتها الطبية والهلال الأحمر المصري في حملات دولية لدعم اللاجئين الفلسطينيين.
3.الدعم السياسي والدبلوماسي
تلعب مصر دور الوسيط التاريخي بين الفصائل الفلسطينية، وتقود جهود المصالحة الوطنية، إيمانًا منها بأن وحدة الصف الفلسطيني هي الأساس في قيام الدولة المستقلة. وفي المحافل الدولية، ترفع مصر دائمًا صوتها مطالبة بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
4.الدعم الاستثماري
تشارك شركات مصرية في مشروعات تطوير البنية التحتية في غزة والضفة الغربية، خصوصًا في مجالات الطاقة والإعمار، بما يساهم في استقرار الحياة الاقتصادية الفلسطينية.
مصر ولبنان: احتضان وحرص
لبنان، بلد الإبداع والثقافة، لطالما كان قريبًا من القلب المصري، تربطهما أواصر الفن والعلم والسياسة.
1.الدعم الاقتصادي والمالي
منذ خمسينيات القرن الماضي، وقفت مصر إلى جانب لبنان في أزماته السياسية والاقتصادية. دعمت إعادة إعمار بيروت بعد الحرب الأهلية، وقدّمت مساعدات إنسانية عاجلة بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، أرسلت خلالها القاهرة طائرات تحمل أطنانًا من الأدوية والمستلزمات الطبية. كما ساهمت الشركات المصرية في إعادة تشغيل معامل الكهرباء في لبنان وتزويدها بالغاز المصري ضمن اتفاقيات التعاون العربي في مجال الطاقة.
2.الدعم الإنساني
قدمت مؤسسات مصرية طبية وإغاثية دعمًا مباشرًا للاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان، ونفّذت برامج تعليمية وتدريبية بالتعاون مع منظمات لبنانية. كما شاركت في إعادة ترميم مدارس ومستشفيات تضررت من الأزمات.
3.الدعم السياسي والدبلوماسي
كانت مصر دائمًا حاضرة في كل مبادرة للحوار اللبناني الداخلي. دعمت اتفاق الطائف، وشجعت التفاهم الوطني بين القوى السياسية اللبنانية. كما تعمل على حشد الدعم العربي والدولي لمساعدة لبنان في تجاوز أزماته دون المساس بسيادته، خصوصًا خلال أحداث 7 أيار 2008.
4.الدعم الاستثماري
استثمرت الشركات المصرية في مجالات الاتصالات والمقاولات والخدمات في لبنان، وأسهمت في خلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد المحلي، إلى جانب دعم التبادل الثقافي والسياحي بين الشعبين.
إنَّ مسيرة مصر في خدمة العالم العربي تجعلها بحق الأم العربية المسؤولة. فهي تجمع بين القوة والحكمة، بين القيادة والتضامن، بين المبادرة والتوازن. من النيل الذي يهب الحياة، إلى جيشها الذي يحمي الأمة، ومن جامعاتها التي خرّجت أجيال العرب، إلى الأزهر الشريف الذي أنار العقول والقلوب، كانت مصر وستبقى درع العروبة وضميرها.
إن مصر، بتاريخها وناسها ودورها، تظل صمام الأمان للأمة العربية، وسندًا للأشقاء في أوقات الأزمات، ورمزًا للأصالة والاستمرار في زمن التحولات. فهي بحق “الأم العربية المسؤولة”، التي تحتضن الجميع بحكمة العصور ودفء الانتماء.
موقع سفير الشمال الإلكتروني