2025- 10 - 15   |   بحث في الموقع  
logo لبنان يتابع مسار التهدئة والتفاوض الإقليمي logo ملف القضاء اللبناني - السوري يتحرك.. خطوات لتسليم الموقوفين logo قبل اغتيال نصرالله.. السيستاني وجّه تحذيراً لـ"الحزب" logo اتفاق لبناني - سوري مرتقب لتخفيف اكتظاظ السجون اللبنانية logo الورقة اللبنانية لا تزال على الطاولة الأميركية logo الدعم الأميركي والفرنسي للرئيس عون دليل ثقة بلبنان logo "الكتائب" و"القوات" يدعمان موقف الرئيس عون ويدعوان للتفاوض logo محطة قطار مار مخايل تعود للحياة
قمة شرم الشيخ 2025: بين رمزية المكان وتبدّل الزمان.. قراءة سياسية وإقتصادية وإنسانية ومقارنة بالقمم الماضية!.. بقلم: د. عبدالرزاق القرحاني
2025-10-15 05:03:56

شرم الشيخ، المدينة التي اعتادت أن تستضيف العالم في لحظات التحوّل، إستعادت في خريف 2025 دورها كمنصّة دبلوماسية لتقاطع المصالح وتباين الحسابات. 


قمة هذا العام لم تكن كسابقاتها، فقد جاءت بعد حرب مدمّرة للحجر والبشر وللقيم الإنسانية على أرض غزة، في وقت تتصارع فيه القوى الإقليمية والدولية على إعادة رسم الخارطة السياسية والاقتصادية الدولية بشكل عام، وللشرق الأوسط بشكل خاص، وعلى تحديد من سيملك مفتاح الإستثمار والإعمار وكلمة الفصل في مستقبل كيانات وبلاد انهكتها الحروب والصراعات والأحقاد التاريخية.


منذ إنطلاق أعمال القمة، بدا المشهد السياسي شديد الحساسية، الولايات المتحدة فرضت إيقاعها كمحرّكٍ أساسيّ لمرحلة «ما بعد الحرب»


فيما حاولت القوى الإقليمية الكبرى تثبيت مواقعها في لعبة النفوذ الجديدة.


مصر، صاحبة الأرض، قدّمت نفسها كوسيط رئيسي وضامن للمعابر والحدود، مدعومة بثقة دولية تقليدية. 


قطر وتركيا حضرتا لتأكيد موقعهما كداعمين سياسيين وإنسانيين لغزة والقضية الفلسطينية. 


بينما حرصت السعودية والإمارات على أن تكونا في صدارة الممولين والمقرّرين، حفاظاً على مكانتهما في النظام العربي الجديد.


 


في المقابل، أثار غياب إيران عن هذا الحدث، موجة واسعة من الجدل والإنقسام في الخارج والداخل الإيراني، بين تيار اعتبر القرار موقفاً مبدئياً يعكس ثبات طهران في مواجهة الغرب، وتيار آخر رأى فيه أن الغياب يُفقد طهران فرصة التأثير في ترتيبات إقليمية يجري رسمها من دونها.


 


أما الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، فاستثمرت القمة لإعادة طرح نفسها كقوى داعمة لإعادة الإعمار، بعد سنوات من الغياب الدبلوماسي الفاعل عن الملف الفلسطيني.


 


سياسيًا، القمة لم تُنتج اتفاقا نهائياً بقدر ما أرست معادلة «هدوء مقابل إعمار»، أي أن وقف النار في غزة صار مشروطاً بالتزامات إنسانية واقتصادية مشتركة، بينما تُرك الحلّ السياسي الحقيقي للمستقبل المجهول.


 


اقتصادياً، شكلت القمة منصة إعلان عن «صناديق إعمار غزة»، لكن هذه الصناديق لم تكن خالية من السياسة. فكل دولة أرادت أن تُثبت حضورها المالي بوصفه استثماراً في النفوذ المستقبلي.


مصر تسعى لتكون مركز توزيع المساعدات. وقطر تعرض تمويلًا مباشرًا تحت إشراف دولي. فيما تقدّم السعودية والإمارات مشاريع بنى تحتية ومساعدات مالية مشروطة بالشفافية وبإشراف عربي جماعي. 


تركيا، من جهتها، تطرح نفسها شريكاً صناعياً وإنسانياً في إعادة البناء. 


في حين تراقب أوروبا المشهد باهتمام، طامحة لاستعادة حضورها في الإقليم عبر المشاركة في إعادة الإعمار والمؤسسات التنموية.


 


لكن خلف لغة «الالتزامات» تكمن معركة خفية حول من يدير الأموال ومن يوقّع العقود ومن يضمن الإستقرار الأمني اللازم لبدء التنفيذ. فالإعمار هذه المرة ليس مجرد عمل إنساني، بل مدخل لإعادة ترتيب النفوذ السياسي والاقتصادي في واحدة من أكثر مناطق الشرق الأوسط حساسية.


 


إنسانياً، حاولت القمة أن تضع الملف الإغاثي في صدارة جدول الأعمال، عبر الدعوة إلى ممرات إنسانية دائمة، وضمان وصول المساعدات الطبية والغذائية إلى السكان دون عراقيل.


ومع ذلك، يظلّ المشهد الإنساني أكثر تعقيداً من أي وعود دبلوماسية. فغزة، بعد سنتين من الحرب، تواجه دماراً شاملاً في بنيتها التحتية ونزوحاً واسعاً ومعاناة مستمرة. 


وقد حذّر بعض المسؤولين الأمميين من أن أي تأخير في تنفيذ آليات الإغاثة سيعيد إنتاج الكارثة على نحو أشدّ قسوة.


 


القمة إذاً لم تُعِد الحياة فوراً، لكنها منحت الغزيّين «نافذة أمل» بوقف القصف وبدء التحضيرات لإعادة الإعمار، وهي نافذة مشروطة، هشّة، لكنّها تفتح ثغرة في جدار طويل من المآسي.


 


أما العلاقات بين الدول المتنافسة على دور في غزة ستكون محدِّدة لمستقبل المنطقة.


فالتقارب بين مصر وقطر في إدارة الإغاثة مؤقت، وقد يتحوّل إلى تنافس إذا تداخلت المصالح. 


وتركيا، التي تحاول التوفيق بين خطابها المتشدد ضد إسرائيل وبراغماتيتها الاقتصادية، ستسعى لتعويض أي خسارة سياسية عبر مشاريع إعادة الإعمار. 


أما السعودية والإمارات، فترغبان في قيادة الجهد العربي بوجه النفوذ الإيراني المتنامي، في حين ترى طهران أن أي ترتيبات جديدة تُقصي حلفاءها تمسّ أمنها القومي مباشرة.


 


بهذا المعنى، يمكن القول إنّ ما بعد قمة شرم الشيخ 2025 لن يكون مرحلة استقرار نهائي، بل بداية فصل جديد من الصراع الدبلوماسي البارد على من يمتلك «الكلمة العليا في غزة».


 


المفارقة اللافتة أن قمة شرم الشيخ 2025 عادت لتذكّر المراقبين بقمتين سابقتين حمَلتا الاسم نفسه لكن اختلفتا في الجوهر والسياق.


 


– قمة 1996، التي دعا إليها الرئيس حسني مبارك والرئيس الأميركي بيل كلينتون، كانت قمة سلام كلاسيكية، حاولت دعم مسار أوسلو واحتواء التوتر بعد العمليات المسلحة. كانت الأجواء حينها مثقلة بولادة «الشرق الأوسط الجديد» الذي وعدت به واشنطن.


 


– قمة 2005 جاءت في أعقاب الإنتفاضة الثانية، وجمعت محمود عباس وأريئيل شارون بوساطة مصرية، لتثبيت وقف النار وإعادة إطلاق الحوار الأمني.


 


أما قمة 2025 فليست قمة سلام بقدر ما هي قمة «إدارة أزمة» في مرحلة ما بعد الحرب. لم تُعقد فيها مصافحات رمزية بين قادة فلسطينيين وإسرائيليين، بل اجتمع فيها العالم ليبحث: من يموّل؟ من يعمّر؟ ومن يضمن الهدوء؟ إنها قمة «ما بعد الحروب» أكثر مما هي قمة «ما بعد الاتفاقات».


 


قمة شرم الشيخ 2025 جسّدت روح المرحلة: سلام هشّ، وإعمار مشروط، وتنافس عربي ـ إقليمي محتدم.


وستدخل المنطقة في طور جديد، تُدار فيها الملفات بالأموال لا بالبنادق، وبالتحالفات المرنة بدل من الشعارات الثابتة. 


ومع أن الطريق إلى السلام الحقيقي والعادل، لا يزال طويلاً، فإن هذه القمة، بكل ما حفلت به من تناقضات ومصالح، قد تكون الخطوة الأولى نحو واقع إقليمي ودولي جديد، تتبدّل فيه الأدوار والمواقف. 


لكن تبقى القضية الفلسطينية، هي الإمتحان الأخلاقي والسياسي والإنساني الأهم للجميع، لإيجاد حلول تلامس الحقوق الوطنية والانسانية لشعب مضطهد ومشرد ومنكوب منذ عقود.

موقع سفير الشمال الإلكتروني




ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top