حينما ينظر الناقد لما ورد في كتب التاريخ من روايات وأسطور أحيانًا، كأُسطورة المحرقة – الأكذب في التاريخ – أي ما يُعرف بالـ "هولوكوست"، والتي كانت الذريعة الأساسية لإقامة الجسم الغريب عن المنطقة تطبيقًا لمقررات مؤتمر كامبل بنرمان الذي عُقد عام 1907، وهو يُعتبر أخطر ما خُطط له الاستعمار الأوروبي لإبقاء سيادة الرجل الأبيض على مقدرات الأمم. وما زالت بلداننا تعيش أسوأ أيامها منذ تلك الحقبة السوداء، والأكثر ظلمًا في التاريخ.
كل الأزمات الحالية، والهجوم الإرهابي الأخطر في التاريخ الذي تواجهه أمتنا حاليًا، هو بسبب تهديد مقررات مؤتمر كامبل بنرمان. ولذلك وجدنا هجومًا غير مسبوق من دول محور الإرهاب الدولي ممثلة بحلف الناتو الغربي والأعرابي بعد عملية السابع من أكتوبر المجيدة، وما تلاها من عملية الإسناد التي قامت بها المقاومة في كلٍّ من لبنان واليمن والعراق. إلى أن شعر هذا المحور بأنه قد يخسر قاعدته الأكثر شرًّا وإرهابًا، والتي تقاتل نيابة عنهم أجمعين...عمد محور الشر إلى الهجوم الارهابي الأول من نوعه ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ظنا منهم انهم وحسب محلليهم المعتمدين الذين يعطونهم نصائح تعتمد على الاحقاد والتمنيات فكانت عمليتهم الغادرة ضد إيران والتي احدثت فضيحة كبيرة لهم بعد الرد الإيراني الصاعق والذي لم يكن محسوبا ...
وهو ما أعلنه "النتن" في الكونغرس الأمريكي، وأيضًا ما أعلنه المستشار الألماني شخصيًا بأن ما يفعله "النتن" هو نيابة عنهم أجمعين.
خسارتهم في هذه المرحلة تعني أن حياة الرفاهية التي تعيشها شعوبهم – والقائمة على النهب الممنهج لثروات المنطقة – سوف تتدهور وربما تنتهي أيضًا. لذلك رأينا هذا التوحش الغربي يعود ليظهر على حقيقته، ولو اضطر أن يدوس على كل شعاراته البراقة التي لطالما اتخذها وسيلة لضرب ومحاربة أي دولة أو أي مجموعة أو أي شعب يحاول التخلص من إرث الاستعمار والاستحمار التاريخي. فينقض عليه هذا الغرب بحجة ما يُعرف زورًا بحقوق الإنسان والمرأة، والأسوأ بحجة الديمقراطية، التي ظهرت على حقيقتها بعد هذه الأحداث، وهي الوجه الآخر لشعار القراصنة: الجمجمة والعظمتين.
اضطر الغرب أن يُظهر وحشه المتعطش للدماء، والتي لها طقوسها الخاصة عبر "عجن الخبز بدماء الأطفال" واعتبارها رمزًا لتفوّق الرجل الأبيض. فبعد أن تلقى مشروعهم الأخطر في المنطقة ضربة هزت أركانه، عاد إلى سيرته الأولى في قمع الشعوب كافة وداس على كل شعاراته بالحرية ورفع الصوت. فكانت عمليات التنكيل والقمع لشعوبهم ونسائهم المشاركات في مسيرات الرفض لجرائم الكيان بطريقة كأنها خارجة من القرون الوسطى، حيث رفع شعار: "علِّقوا الكهنة في أمعائهم".
وما فعلته أدواتهم الإرهابية في المنطقة فاق ما فعلوه في تلك القرون الغابرة. وقد اعترف العديد من كبارهم أنهم كانوا وراء تلك المجموعات القاتلة.
لكن ما نحن بصدده هو كيفية تزوير الحقائق، لا بل عملية إعدام بشعة للصورة المباشرة التي لا لبس فيها، لأجل كتابة تاريخ مدلس ومزور، وعكس كل الوقائع التي نعيشها يوميًا. وذلك عبر مجموعة من المخلوقات التي درست مهنة التحريف وقلب الصورة لصالح الحركة الاستحمارية، عبر تصوير الضحايا من الأطفال وحتى الأجنة في بطون أمهاتهم بأنهم مشاريع إرهابية قاتلة ويجب محوها قبل الولادة.
يتم ذلك عبر التحريض على عقيدة المقاومة بوصفها عقيدة قاتلة تُخرّج قتلة، ولذلك يجب قتل حتى الأفكار الرافضة للاستعمار والتي ترفع شعار المقاومة، كما زعمت إحدى النواعق. وكذلك حينما تقول بأن سلاح المقاومة يخدم "النتن" لجهة إبقاء الجبهة في لبنان ملتهبة، لأن إقفالها سيؤدي بالنتن إلى المحكمة وربما السجن. وهو أمر ربما يحمل بعض الواقع، لكنه يخفي مكرًا وخداعًا وجرمًا أكبر.
إذ إن هذا الطرح يجعل كل جرائم العدو محصورة في شخص "النتن"، وهكذا تُقلب المفاهيم والوقائع والصورة كاملة لصالح العدو، الذي يُعطى بهذه الحالة صك براءة من كل ما سبق، على أساس أن المشكلة فردية مع شخص واحد. وأنه بتسليم السلاح – الأشرف من الشرف – تنقضي المشكلة، ولا يعود للكيان أي مطامع بالأرض والمياه ولا باستعباد البشر.
حينما نرى هذا الكم الكبير من التحريف، وفي وقت يرى العالم أجمع – وبشكل مباشر – حجم الجرائم وكيفية إعدام الحقيقة الممثلة أمام الأعين، ندرك كم هو حجم التزوير الذي حصل في التاريخ لصالح الأقوياء والمنتصرين في الحروب. لذلك تجب إعادة قراءة الأحداث المهمة في تاريخنا، من منظور مشابه لما نراه حاليًا من حركة ممنهجة لتزوير وقتل الحقيقة، عبر إلصاق تهم الإجرام حتى بالأجنة والخُدّج في أسرّتها.
د. عبدو اللقيس/ الخبير في العلاقات الدولية وعضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين