باستثناء حزب القوّات اللبنانية وحركة أمل اللتين أطلقتا، على التوالي، ماكيناتهما الإنتخابيّة، داخلياً في لبنان وخارجياً في بلاد الإغتراب، وإنْ بشكل لوجستي، فإنّ بقية الأحزاب والتيّارات السّياسيّة الأخرى ما تزال تلتزم الهدوء وعدم تحريك ماكيناتها الإنتخابية، أو العمل بصمت بعيداً عن الإعلام.

يردّ البعض إستعداد وحماسة القوّات والحركة، ولو شكليّاً، للإنتخابات النيابيّة أكثر من غيرهما إلى الكباش السياسي الدائر بين الطرفين، والسّجال السّياسي والإعلامي بينهما على خلفية الخلاف حول قانون الإنتخابات، وتحديداً بند إقتراع المغتربين، وشلّ عمل المجلس النيابي وتعطيل جلساته التشريعية بسبب ذلك ما أدى لتبادل الطرفين الإتهامات وأنّ كلاً منهما يقف عمداً وراء هذا التعطيل، وبالتالي تحميل كلّ جهة للجهة الأخرى مسؤولية ذلك.

لكنّ هذه الإستعدادات البادية للعيان لدى كلّ من القوّات والحركة للإستحقاق الإنتخابي المُنتظر في شهر أيّار المقبل، وإعلانهما على نحو دائم تمسكهما بإجراء الإنتخابات في موعدها المحدّد، ورفضهما تأجيل الإستحقاقات، وتشديدهما على إجرائها في مواعيدها الدستورية، لا يعني أنّ الإنتخابات ستجري ولن يتم التمديد للمجلس النّيابي الحالي، ولو لفترة محدّدة، ذلك أنّ أعداد المغتربين التي تسجّلت للمشاركة بالإنتخابات المقبلة، سواء لانتخاب 6 نوّاب مخصّصة لهم وفق القانون الحالي كما تتمسك حركة أمل وحلفائها، أو للإقتراع للنوّاب الـ128 بعد تعديل القانون الحالي كما تطالب القوات وحلفائها، كشفت عن حقائق ومتغيّرات غير متوقعة، وعن عقبات تحتاج إلى تذليل.

أولى هذه الحقائق أنّ عدد المغتربين المُسجلين تراجع من 226 ألف ناخب في انتخابات العام 2022 إلى 152 ألف ناخب في الإنتخابات المقبلة، وارتفاع عدد النّاخبين الشّيعة في عام 2026 مقارنة بعام 2022، مقابل تراجع عدد النّاخبين الموارنة، وثبات عدد النّاخبين السنّة، وفق معطيات وأرقام أوّليّة، وتراجع مماثل في أعداد النّاخبين المغتربين الذين دعموا نوّاب التغيير بعد خيبة الأمل من أداء أغلبهم طوال الفترة الماضية، وبالتالي فإنّ اقتراع نحو 80 ألف ناخب إغترابي في استحقاق أيّار المقبل، كما هو متوقع، لن يصبّ في خانة التغييرين والقوّات وحلفائها، بعدما استطاعت حركة أمل وحلفائها حشد أعداد وازنة من أصوات المغتربين يُنتظر أن تصبّ في مصلحتهم، وتسهم في تغيير النتائج مهما كان شكل القانون الإنتخابي.

أمّا ثاني هذه الحقائق فيتمثل بالفارق الكبير بين أصوات المغتربين في القارّات السّتّ، وعدم العدالة في توزيعها على النوّاب السّتة المُفترض توزيعهم على الطوائف السّت الرئيسية في لبنان (السّنة والشّيعة والدّروز إسلامياً، والموارنة والروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك مسيحياً). ففي حين إحتلت أوروبا المرتبة الأولى في أعداد النّاخبين المُسجلين بـ56.133 ألف ناخب، وخُصص لها نائب واحد من أصل ستّة نوّاب، جاءت أميركا اللاتينية في المرتبة الأخيرة بـ3.288 ناخب وخُصص لها نائب واحد أيضاً، ما يعني أنّ الأمر سيثير جدالاً واسعاً حول عدالة التمثيل، وحول كيفية توزيع هذه المقاعد الستّة على الطوائف الكبرى في البلاد، خصوصاً إذا ما تمسّكت طائفة معينة بالمقعد المّخصص لها في هذه القارّة أو تلك، بعيداً عن ما يفترضه القانون أو العدالة المفقودة في توزيع المقاعد.