في السياسة كما في التاريخ، ثمّة لحظات تُشبه النوافذ المفتوحة على الحقيقة، إذا لم ندركها سرعان ما تغلق. الأمس، وجدت نفسي مدعواً إلى لقاء استثنائي مع شخصية إيرانية رسمية رفيعة، لقاء لم يكن عابراً، إذ بدا أنّ الإيرانيين قرّروا أخيراً مخاطبة الرأي العام خارج فضاء إعلام "المحور"، بعدما أدركوا أنّ الكلام داخل الدائرة الضيقة يشبه الهمس مع النفس.
دعوتهم لي لم تكن صدفة. فالجميع يعرف أنّ مقالاتي تصل إلى "المقلب الآخر"، إلى حيث تُصنع القراءات ويُبنى الرأي المضاد. ومن هنا تتجلى أهمية ما سمعته، فلا يمكنني الاستناد إلى "مصادر دبلوماسية" كما اعتاد إعلام المحور، فالمصادر المتاحة هناك غالبًا ما تكون إيرانية أو عراقية.
هذه الشخصية الإيرانية قدّمت مقاربة جديدة، أرادت أن تُخرج الخطاب من رتابته، وأن تضع الأمور في نصابها بعيداً عن الشعارات والاصطفافات.
إسرائيل وإيران: ميزان الردع
حين سُئلت الشخصية عن احتمال اندلاع حرب على إيران، كان الجواب واضحاً: مستبعد. فإسرائيل، رغم تهويلها، تدرك أنّ المعادلة لم تعد في صالحها. لقد جربت أن تستفيد من أجواء التهدئة النووية، بل نجحت لأيام قليلة في اختراق الأجواء الإيرانية. لكن سرعان ما قلبت إيران الطاولة، وأثبتت أنّ من يقدر على إرسال خمسين صاروخاً يصيب نصفها، قادر أيضاً على إطلاق خمسمئة صاروخ تصيب نصفها، وأن أي صلية صواريخ في الدفعات اللاحقة ستصيب أهدافها دفعة واحدة. الرسالة وصلت: الحرب مع إيران ليست نزهة، بل مخاطرة وجودية.
غزة ولبنان وسوريا: انتصارات ناقصة وهزائم مكتومة
إسرائيل التي تحاول أن تلبس عباءة المنتصر في غزة ولبنان، تعرف أنّ انتصارها هناك لم يتجاوز نصف الحقيقة. نصف آخر بقي بيد المقاومة. وحدها الساحة السورية منحتها مكسباً ملموساً، حيث تمدّد الاحتلال حتى مشارف دمشق من دون مقاومة تُذكر. غير أنّ هذا المكسب يبقى هشّاً، لأنّ إسقاط الأنظمة أسهل بكثير من إسقاط مقاومة شعبية متجذّرة، وإيران – بما تمثلّه من صلابة مجتمعية – عصيّة على الحروب الكلاسيكية. لذلك، فإنّ أي حرب على إيران ستُسقط تلقائياً ما راكمته إسرائيل في سوريا، وستضعف قدرتها على المواجهة في غزة ولبنان.
واشنطن والخيارات الصعبة
وما ينطبق على إسرائيل، ينسحب على واشنطن. فالولايات المتحدة تدرك أنّ ضعف تل أبيب يعني ضعفًا لها. وحين حاولت أن تجد مخرجاً عبر استهداف المفاعلات النووية، جاء الرد الإيراني الأخير بقصف القاعدة الأمريكية في قطر. هذا القصف كشف الكثير؛ فالصواريخ الأمريكية والقطرية اعترضت بعض الصواريخ الإيرانية، لكن المفاجأة كانت في أن منظومات الصواريخ الأميركية لم تعمل ساعة القصف الإسرائيلي لقطر، ولم تُطلق الإنذارات المسبقة. كل ذلك أظهر هشاشة ما كان يُقدَّمه الأمريكي للعالم العربي بأن قواعده هي سقف أمان.
العقوبات: فخ الغرب لنفسه
أما العقوبات، فوصفتها الشخصية بأنها "أكبر سوء تقدير غربي". إذ يقيس الأميركي والأوروبي وقعها على المجتمع الإيراني بمعايير رفاههم هم. بينما في إيران، الحياة مستمرة بصورة طبيعية؛ "هذا نمط عيشنا وحياتنا وعزتنا وعزيمتنا بالدفاع بكل قوتنا عن دولتنا". الزراعة والصناعة قائمة، والثروات الوطنية تتيح للاقتصاد نوعاً من الاكتفاء الذاتي. إيران ليست رهينة الغاز أو النفط المستورد، بل العالم هو الذي يحتاج إلى مواردها.
لبنان واحترام الخصوصية
حين جاء الحديث عن لبنان، كان الجواب مفعماً بالود: "نحن لا نتدخل، ولا نُملي على أحد شيئاً. علاقتنا بالمقاومة هي علاقة احترام ووفاء، تستمد قوتها من مكانة السيد علي الخامنئي الذي يكنّ لقيادات حزب الله تقديراً بالغاً. لكنّ هذا الاحترام لا يعني وصاية ولا فرضاً للإرادة. المقاومة في لبنان تقرأ واقعها وتقرّر مصيرها، وإيران تساندها بما تستطيع انسجاماً مع نبض شعبها الذي أحب لبنان وشعبه. فالشعب الإيراني يحب كل الشعب اللبناني، ولا يعقل أن تسير القيادة السياسية الإيرانية عكس رغبة شعبها الذي هو مصدر سلطتها.
"وإن كنا أحياناً نتحدث عن المقاومة، فليس ذلك من باب التدخل أو الإشارة إلى وصاية من أي نوع كان. ولكن بما أن خصوم إيران يسوقون لربط ضعف المقاومة بضعف إيران، فمن حق إيران أن تثبت العكس. هذه سياسة دولية يدركها صناع القرار ورجال الدولة، لكنها لا تعني أبداً أن إيران هي من يملي على المقاومة ما عليها فعله."
خلاصة الرواية
ختام الكلام كان إشارة مطمئنة: الحرب الكبرى ليست على الأبواب، لكن الاستنفار قائم. إيران تراقب، تحسب، وتبقى على جهوزية قصوى لأي تطور. والأهم، أنّ الاعتداء على قطر كشف للعالم العربي أنّ المشروع الأميركي – الغربي لا يضع مصالح أي دولة عربية في حساباته ما دام أمن إسرائيل هو الأولوية المطلقة.
هكذا بدت الرواية، لا كخطاب دعائي، بل كقراءة هادئة وكأنها من قلب طهران نفسها: حرب شاملة على إيران لن تقع، ليس لأنّ العالم يريد السلم، بل لأنّ كلفة المغامرة صارت أكبر من احتماله، وقوة ايران امام الكيان الاسرائيلي هي قوة للمنطقة باكملها، وايران اثبتت انها تريد الخير وتعمل للتقارب العربي العربي والاسلامي، بالختام فان الاستقرار هو غايتنا جميعا، وجرائم الكيان الاسرائيلي لم تعد تحتمل ليس بالمنطقة فقط بل في العالم ونحن نشاهد هذا الاعتراض الدولي الذي يتسع يوما بعد يوم ضد الكيان الاسرائيلي.