| خضر رسلان | كاتب ومحلل سياسي
عندما أعاد توم براك إحياء فكرة «عودة بلاد الشام» بوصفها حقيقة جغرافية وتاريخية، لم يكن كثيرون يتوقعون أن تلقى تصريحاته هذا الصدى الواسع في منطقتنا. لكن سرعان ما تلقّفها كثيرون باعتبارها فرصة ثمينة لفتح دفاتر سايكس بيكو التي طُويت ظاهريًا منذ أكثر من قرن، رغم أنها ما زالت حتى اليوم تتحكّم بمصائر شعوب هذه المنطقة وحدودها.
وكيف لا، وهذه الاتفاقيات هي التي رسمت خرائط جديدة، مزّقت وحدة الأرض، وقطّعت أوصال شعوب وتواريخ وثقافات، لتقيم دولًا وكيانات هشة، كثير منها ما زال حتى اليوم يعيش على وقع أزمات وصراعات لا تنتهي.
يكفي أن نتذكّر كيف اقتُطع لواء الإسكندرونة من سوريا وضُمّ لاحقًا إلى تركيا في واحدة من أغرب الصفقات الدولية، أو كيف قُطِعت فلسطين عن محيطها الطبيعي، ليُقام فوق أرضها مشروع إسرائيل، فتدفع شعوب المنطقة كلها منذ ذلك الوقت ثمنًا باهظًا من دمها واستقرارها.
لكن إذا كانت بلاد الشام فعلًا «حقيقة تاريخية» كما يقرّ براك، فإن السؤال الجوهري يصبح:
هل هو ومعه الإدارة الأميركية مستعدون فعليًا لإلغاء مفاعيل سايكس بيكو، لا مجرّد التلويح بها كورقة ضغط سياسية؟
وهل يشمل ذلك:
عودة المهاجرين اليهود من حيث أتوا ليسترد الشعب الفلسطيني أرضه وحقوقه ودولته المستقلة على كامل فلسطين من البحر الى النهر؟
وهل يقبلون بإعادة لواء الإسكندرونة إلى حضنه الطبيعي في سوريا؟
وهل يوافقون على إعادة النظر في خرائط المنطقة بأسرها، فتعود الموصل إلى قضية تجاذب بين العراق وتركيا، وتُطرح مسألة الكويت كمحافظة عراقية، وتُعاد جزيرة البحرين إلى شواطئ إيران، وتفتح شهية اليمن مجددًا في ملفي عسير ونجران، فضلًا عن إعادة صياغة خريطة الأردن بما يعيد الحديث عن «الضفة الشرقية» كما كانت قبل الانتداب؟
أم أن تصريحات براك لا تعدو كونها خطابًا للاستهلاك السياسي، يستخدم فقط لإدارة ملفات الضغط والمساومات، من دون أي استعداد لتحمّل التبعات التاريخية العميقة التي قد تترتّب على ذلك؟
وهل يدرك براك، ومن يقف وراءه، أن نبش هذه الملفات قد يفتح أبوابًا يصعب إغلاقها لاحقًا، ويوقظ في شعوب هذه الأرض مطالب وحقوقًا ظنّ المستعمرون يومًا أنهم دفنوها إلى الأبد.
(موقع جبل عامل)