عندما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن تحديد جلسة نيابية لمساءلة حكومة القاضي نوّاف سلام على سياستها، بدأت أمس على فترتين صباحية ومسائية وستستمر اليوم، طرحت تساؤلات واسعة عن الهدف من وراء عقد هذه الجلسة، وعن الرسائل السّياسية التي تحملها، وعن القصد منها.

في الشّكل بدت الجلسة إلتزاماً بـ”الدور الرقابي” الذي يمارسه مجلس النوّاب تشريعياً على أداء السّلطة التنفيذية، أيّ الحكومة، خصوصاً أنّ الحكومة مرّ على تأليفها أكثر من 4 أشهر ونيّف منذ نيلها الثقة أواخر شهر شباط الماضي، وبالتالي فإنّ فترة السّماح التي أعطيت لها، وهي 100 يوم كما جرت العادة والعرف مع جميع الحكومات، قد انقضت، وبالتالي فإنّ جلسة مجلس النوّاب ومساءلتها تبدو طبيعية جدّاً.

غير أنّ مراقبين لمسار العلاقة بين الرئيسين برّي وسلام، ومنذ ولادة حكومة الأخير، إستشفوا من وراء عقد جلسة المساءلة “رسالة” أراد رئيس مجلس النوّاب إيصالها إلى رئيس مجلس الوزراء، تعبّر عن عدم رضاه عن أداء وسياسة الحكومة إزاء عدد من الملفات، وأراد من خلال هذه الجلسة التوضيح لمن يعنيهم الأمر في السّلطة بأنّه على استعداد للذهاب أبعد نحو حشر الحكومة في المرحلة المقبلة أكثر إذا ما استمرت في سياستها على المنوال ذاته.

توضح تسريبات مختلفة أنّ برّي غير راضٍ عن أداء سلام وحكومته تجاه ملفات عدّة تناولتها، من ملف التعيينات وصولاً إلى ملف بحث سلاح المقاومة، مروراً بملفات مثل إعادة إعمار المناطق المتضرّرة جرّاء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، فضلاً عن “تنسيق غير كاف” بين سلام وبرّي تجاه قضايا مختلفة، فكانت جلسة المساءلة أشبه بـ”رسالة” إستياء بعثها برّي إلى سلام ولو تحت عناوين أخرى.

وفق التسريبات فإنّ من في السّلطة وعلى رأسهم سلام يعرفون جيداً أنّ برّي ينال في نهاية المطاف، حصته من أيّ تعيينات تجريها الحكومة، وأنّ مواجهته ومحاولة تجاهله في هذا الملف خاسرة سلفاً، وهو ما لفت إليه رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل عندما قال لبرّي مباشرة في كلمته التي ألقاها في جلسة المساءلة من أنّه يتّبع في التعيينات قاعدة “ع السّكين يا بطيخ”، وردّ برّي عليه بدعابته السّياسية المعهودة عنه مؤكّداً ذلك.

عدم رضى برّي عن سلام لم يتوقف عند ملف التعيينات فقط بل امتد إلى ملف سلاح المقاومة، وتحفّظ رئيس المجلس على كثير من المقاربات والمواقف التي يطلقها سلام في هذا المجال. وبرغم أنّ الجلسة إستغلها بعض النواب والكتل للمطالبة بتسليم حزب الله وغيره السّلاح، وأطلقوا مواقف شعبوية مزايدة مستغلين نقل الجلسة مباشرة على الهواء عبر محطات التلفزيون، فإنّ ردّ نواب آخرين مدافعين عن السّلاح في ظل بقاء العدو الإسرائيلي مخترقاً قرار وقف إطلاق النّار، ومستمراً في اعتداءاته على لبنان، وآخر فصول عدوانه كان يوم أمس على بعلبك حيث سقط شهداء وجرحى تحت مرأى ومسمع سلام ونواب معارضين للسّلاح، شكّل رسالة لهم بأنّ مقاربة هكذا ملف حساس على النحو السّائد لن يصل إلى أيّ نتيجة.

هل وصلت “رسالة” برّي إلى سلام من خلال جلسة المساءلة؟ الأمر يتوقف على أداء الحكومة بعد انتهاء الجلسة، وهو أمر يمكن تلمّسه في مواقف نوّاب محدّدين سيطلقونها خلال الجلسة، في هذا الإتجاه أو ذاك، يمكن أن يستشفّ منها مسار العلاقة لاحقاً بين الرئاستين الثانية والثالثة.

موقع سفير الشمال الإلكتروني