تقوم شرعية الدول، وفق مبادئ العقد الاجتماعي، على تفويض الشعب لها بمهمّة حماية مصالحه وتأمين حاجاته الأساسية وضمان أمنه واستقراره. غير أنّ هذا التفويض يبقى مشروطًا بقدرة الدولة على أداء وظائفها. فإذا عجزت أو تخلت عن مسؤولياتها، يبدأ المجتمع بالبحث عن بدائل لسدّ الفجوة التي تتركها السلطة.
هذا الواقع تجلّى بوضوح في لبنان خلال العقود الأخيرة، فعندما فشلت الدولة في توفير التغذية الكهربائية، برز القطاع الخاص والمبادرات الشعبية عبر شبكات الطاقة البديلة بالطاقة الشمسية والمولّدات والاشتراكات كحلّ بديل، رغم تكلفته الاشتراكات الباهظة وغير العادلة.
وحين تراجع دور الدولة في تأمين مياه الشرب، تحوّلت الشركات الخاصة وصهاريج المياه والآبار الخاصة إلى مصدر بديل للمواطنين.
وحين عجزت وزارة التربية والتعليم الرسمية عن تأمين مدارس وجامعات ومهنيات تستوعب طلاب الوطن وتغطي أطرافه والمحافظات نشأت المؤسسات التربوية والتعليمية التابعة للجمعيات والمؤسسات الأهلية في المحافظات والأطراف ونظمت الوزارة التعليم ذلك واعترفت به ولم تعتبره مناقضا لمشروع الدولة أو بديلا عنها بل إغناء للتربية والثقافة مع أن فيه الغث والثمين والربحي والتربوي.
لكنّ السؤال يتجاوز الماء والكهرباء، ليبلغ جوهر وظيفة الدولة: وهي الأمن. فعندما تعجز الدولة ـ بصفتها “الوكيل” الاجتماعي والسياسي والأمني ـ عن حماية مواطنيها، يصبح الدفاع عن النفس حقًا أصيلًا للشعب، وفق منطق العقد الاجتماعي والفقه، الذي يجيز للفرد أن يتصدّى مباشرةً لأي خطر يهدّد حياته أو ممتلكاته، في حال غاب أو تأخر تدخّل القوى الأمنية. وإذا كان هذا ينسحب على لصّ يقتحم منزلًا، فماذا عن احتلال يستهدف أرضًا وشعبًا وسيادة؟
من هنا، يبرز النقاش حول ضرورة تكامل أدوار المؤسّسات العسكرية والأمنية مع المكوّنات المجتمعية والسياسية والدينية، ضمن إطار وطني موحّد، كالشعب المسلح ـ وكل شعبنا يمتلك سلاحا والذي خضع للدورات العسكرية والخدمة الالزامية لا بوصفه بديلاً عن الدولة، بل تكاملا معها وقياما بواجبه تجاه وطنه واستعادةً للوظيفة الأصلية حين تعجز الدولة عن القيام بدورها ووظيفتها، فالحماية ليست خيارًا تجميليًا للدولة “برستيج” بل شرط وجودها.
إنّ السؤال الذي يطرحه الواقع اللبناني اليوم ليس فقط: لماذا تفشل الدولة؟ بل أيضًا: من يتحمّل مسؤولية سدّ الفراغ؟
هل يمكن لمجتمعٍ متنوّع دينيًا وسياسيًا ومذهبيا أن يصوغ نموذجًا تكامليًا للدفاع عن وجوده وأمنه وحدوده كنموذج المكملات الكهربائية والمائية والتعليمية يتكامل فيه مع فكرة الدولة العاجزة ولا يتناقض معها، بل يمنع سقوطها؟..
في النهاية، تظلّ هذه المقولة تلخّص المعادلة كلّها: “وطن لا تُحمى حدوده ولا يُصان شعبه، يفقد معناه قبل أن يفقد سلطته.”
الكاتب الشيخ الدكتور بلال سعيد شعبان .
الأمين العام لحركة التوحيد الاسلامي
اتصالات تخصّ جلسة الحكومة غداً..
عن قضية الشاب إيليو أبو حنا.. بيانٌ من سفارة فلسطين
The post قراءة في معادلة السلطة والمجتمع في لبنان: عندما تعجز الدولة.. من يسدّ الفراغ؟.. بقلم: الشيخ بلال شعبان appeared first on .