2025- 11 - 27   |   بحث في الموقع  
logo الحلف الذي عُلِّقَ على خشبة… وصعود أهل الأرض!.. بقلم: د.عاصم عبد الرحمن logo سياسة الإلغاء!.. بقلم: د.عبدالرزاق القرحاني logo عناصر إسرائيلية تتجاوز الخط الأزرق وتتفقد منزلاً داخل الأراضي اللبنانية logo روسيا تكسر صمتها بشأن تسريب المكالمة بين ويتكوف وأوشاكوف logo الكرملين يتحدث عن “مسار جدي” لإنهاء حرب أوكرانيا logo مسلحون يطلقون النار باتجاه شخصين في المنية.. إليكم التفاصيل! logo إغلاق البيت الأبيض بعد إطلاق نار على عنصرين من الحرس الوطني logo ترامب يتوعد مطلق النار قرب البيت الأبيض بدفع ثمن باهظ
الحلف الذي عُلِّقَ على خشبة… وصعود أهل الأرض!.. بقلم: د.عاصم عبد الرحمن
2025-11-27 04:03:13

منذ منتصف القرن التاسع عشر، دخل المشرق في معادلة سياسية مفروضة من الخارج. ففي عام 1853، اتفقت بريطانيا وفرنسا على ما يشبه “حلف الأقليات” لإدارة المنطقة وضبط مساراتها.


تحوّل هذا الاتفاق تدريجيًا إلى نموذج سياسي ثابت: تُمنح السلطة لشريحة ضيقة من المجتمع، وتُحجب عن الأكثريات، بما يضمن بقاء النفوذ الغربي فاعلًا ومؤثرًا. ومع الانتدابين البريطاني والفرنسي عام 1920، ترسخت هذه المعادلة رسميًا في بنية الدول الحديثة.


أول الغيث… ناغورني


رغم صلابة هذا النموذج لأكثر من قرن، بدأت شروخه بالظهور مبكرًا. وكان سقوط ناغورني قره باغ عام 2022 وهي منطقة جبلية متنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان في جنوب القوقاز، بين روسيا وتركيا وإيران أول مؤشر جدي على تفكك هندسة الأقليات. فقد كان ذلك النزاع ذاته من بقايا ترتيبات القرن العشرين، عندما صُمّمت خرائط المنطقة بما يخلق توترات دائمة بين أقليات متجاورة.


اليوم، ومع سقوط نظام بشار الأسد وصعود أحمد الشرع بدعم أميركي واضح، تتضح الصورة بالكامل: نموذج حكم الأقليات ينهار، وأهل الأرض يعودون إلى مركز السلطة.


الحلف الذي بلغ نهايته


ظلت القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة لاحقًا، تنظر إلى حكم الأقليات كأداة أسهل للضبط والسيطرة؛ فالأقليات ترتبط بالحماية الخارجية، والحماية الخارجية تضمن النفوذ السياسي.


لكن هذه الصيغة بدأت تتحلل بفعل عوامل حاسمة:


ـ تضخم نفوذ إيران عبر توظيف الأقليات سياسيًا وطائفيًا.


ـ اندلاع ثورات داخلية وفوضى لم تستطع بنية الحكم الأقلوي استيعابها.


ـ وصول واشنطن إلى قناعة بأن هذا النموذج لم يعد يحمي مصالحها، بل تحوّل إلى خشبة معلّقة: لا تحمل الدولة ولا تمنع انهيارها.


سقوط الأسد: نهاية نموذج صمد منذ 1963


لم يكن سقوط نظام بشار الأسد مجرد انتقال سياسي. بل كان انهيار آخر حصن متماسك من نموذج حكم الأقلية في العالم العربي.


أما صعود أحمد الشرع بوصفه أول رئيس سني منذ أكثر من نصف قرن فيعني:


ـ تفكيك الركن الأكبر الذي حافظ على هندسة الأقليات.


ـ إعادة الأغلبية السنية إلى قلب السياسة السورية.


ـ انطلاق مرحلة إقليمية جديدة تستعاد فيها التوازنات الطبيعية بعد عقود من الانحراف البنيوي.


هذه اللحظة لا تُقاس بمعيار تغيير رئيس، بل بمعيار انهيار منظومة عمرها قرن ونصف القرن.


الأقليات السورية تبحث عن تموضع جديد


مع ولادة الدولة الجديدة بقيادة الشرع، اتجهت المكوّنات السورية: العلويون، الأكراد، الدروز إلى صيغ تفاوضية تقوم على الحكم الذاتي أو اللامركزية الواسعة.


لم يعد أحد يتحدث عن “الأقلية الحاكمة”، ولا عن عودة الدولة المركزية الصلبة التي صنعتها تجربة البعث. وهذا بذاته يكشف عمق التحول: “انتهاء عهد الأقلية المهيمنة وبداية عهد التوازنات ‘المكوّنية داخل إطار أغلبية وطنية”.


لماذا اختارت واشنطن “أهل الأرض”؟


التحول الأميركي ليس تكتيكًا عابرًا، بل استنتاجًا إستراتيجيًا طويل المدى:


ـ فشل نموذج السيطرة عبر الأقليات، إذ أدى إلى عدم استقرار دائم، وصراعات داخلية، وتدخلات إقليمية شديدة الكلفة.


ـ استحالة تجاوز الأغلبية السنية: وهي قوة اجتماعية وديموغرافية كاسحة، ظلّت مُقصاة عن السلطة رغم أنها تمثل أساس البنية المجتمعية للمشرق.


ـ الحاجة إلى نظام إقليمي مستقر بأقل كلفة، فالتحالف مع الأغلبية “أهل الأرض” أكثر قابلية للاستمرار وأقل حاجة للدعم الخارجي من الأنظمة الأقلوية.


بهذا المعنى، يتكوّن أمامنا للمرة الأولى تحالف أميركي ـ أكثري، يناقض جذريًا تحالف القرن التاسع عشر.


سقوط المصطلح قبل الأنظمة


ما يجري اليوم أعمق من سقوط الأسد أو تراجع دور أقلية هنا أو هناك. إنه سقوط مصطلح سياسي كامل كان يحكم المنطقة منذ 170 عامًا: “حكم الأقليات”.


ومع سقوطه، يظهر مصطلح آخر: “تحالف أهل الأرض” أي التحالف بين القوة الدولية الصاعدة وبين الأغلبية التي تحمل الشرعية الاجتماعية والسياسية.


بعد قرن ونصف من “الهندسة الخارجية”، يعود المشرق تدريجيًا إلى مساره الطبيعي. ومع سقوط آخر قلاع الحكم الأقلوي في دمشق، وصعود حكومة سنيّة مدعومة أميركيًا، يبدو أن الحلف القديم عُلِّقت خشبته أخيرًا، وتُرك ليتهالك في غير مكان.

موقع سفير الشمال الإلكتروني





ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top