عقبتان دأب كثير من المراقبين على الإشارة إلى أنّهما تعترضان وتعرقلان إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها المرتقب في شهر أيّار العام المقبل، هما إيجاد مخرج لأزمة إقتراع المغتربين، لستّة نوّاب مخصصة لهم أم للنوّاب الـ128 أم نزولهم إلى لبنان للإقتراع في مراكز وأقلام نفوسهم، والخشية من عدوان إسرائيلي واسع على لبنان ما من شأنه جعل إجراء الإنتخابات في موعدها متعذّراً.
خلال الفترة الماضية، ولأسباب مختلفة، جرى تجاهل عقبة إضافية وأساسية متعلّقة بمصير الإنتخابات النيابيّة، وهي القرار الخارجي حيال هذا الإستحقاق في بلدٍ اعتاد منذ ولادته، قبل أكثر من 100 عام، على أن تكون أيّ محطة أساسية فيه مرهونة بقرار ما أو إشارة معينة أو “كلمة سرّ” تأتي من الخارج، القريب منه والبعيد، ليبنى على الشيء مقتضاه.
في آخر أربع دورات إنتخابية جرت في الأعوام 2005 و2009 و2018 و2022 كانت للخارج (وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية) كلمته المقرّرة في إجراء الإنتخابات النيابيّة دون تأخير. في العام 2005 وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في 14 شباط عامها، رفض الخارج تأجيل الإنتخابات ولو ليوم واحد، ورُفع يومها أمر اليوم الذي تحوّل شعاراً وهو “الإنتخابات الآن” لمنع أيّ تفكير أو أن تتخذ أيّ خطوة بتأجيل الإنتخابات.
عامها كان المقرّرون لمصير لبنان في الخارج يرون أنّ الإنتخابات النيابية هي فرصة يجب إغتنامها و”استغلال” دم الرئيس الشهيد لإحداث إنقلاب في المعادلة الداخلية ونقل الأكثرية النيابيّة من كفّة إلى كفّة أخرى، وهو ما حصل.
في العام 2009 تكرّر الأمر ذاته برغم التغيير الذي طرأ على قانون الإنتخابات الذي أعاد إحياء قانون إنتخابات العام 1960، وهو العودة إلى اعتماد القضاء دائرة إنتخابية، ولكن حرصاً على إبقاء هذه المعادلة قائمة وعدم تغييرها تجاهل الخارج المقرّر تأجيل إجراء الإنتخابات في أعوام 2013 و2014 و2017، حيث كان يجري التمديد لمجلس النواب في كلّ سنة.
لكنّ التسوية التي أدّت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في العام 2016 وإقرار قانون إنتخابات جديد قائم على النسبية والصوت التفضيلي، جعلت الخارج المقرّر غير متمسك بإبقاء المجلس النيابي والتمديد له، ولم يمانع من إجراء الإنتخابات النيابية في العام 2018، وهو أمر تكرر في انتخابات العام 2022 التي شهدت ترجيح كفّة الفريق الموالي للولايات المتحدة وحلفائها.
غير أنّ شبه الصّمت الذي يمارسه الخارج المقرّر حيال الإنتخابات النيابيّة المقبلة، في ضوء تقديرات واستطلاعات رأي تشير إلى أنّ إنتخابات أيّار المقبل لن تحدث إنقلاباً في المشهد السّياسي لصالح فريق الخارج المقرّر، كما أنّ شكوكاً تدور حول إمكانية محافظة الفريق المذكور على مكتسباته التي حصدها في انتخابات العام 2022، جعل هذا الخارج لا يبدي حماسة كبيرة لإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، ولا يمانع من تأجيلها سنة أو سنتين، بانتظار نضوج ظروف أفضل من شأنها أن تعزّز موقعه أكثر في السّلطة، إلا إذا كانت لديه حسابات ومصالح مختلفة لم يفصح عنها بعد، وهو موقف يُنتظر أن يتكشف على نحو أوضح في المرحلة المقبلة.
The post مصير الإنتخابات النيابيّة ينتظر قرار الخارج!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .