2025- 11 - 26   |   بحث في الموقع  
logo استقرار تدريجي في درجات الحرارة logo عبدالله: لا جواب إسرائيلي على الطرح المصري logo رشاوى وفضائح.. والقلق سيّد الموقف logo هل تأكّد موعد زيارة أورتاغوس للبنان؟ logo في ذكرى رحيلها..صباح أيقونة المكان واسطورة الزمان..( جهاد أيوب) logo تاجر مخدرات: "باعونا للعرب" logo من الشؤون الاجتماعية إلى التنمية الاجتماعية.. تغيير يعكس رؤية جديدة للوزارة logo الجميّل: مستقبل لبنان مرهون بحصر السلاح
في ذكرى رحيلها..صباح أيقونة المكان واسطورة الزمان..( جهاد أيوب)
2025-11-26 09:57:59

اليوم 26 نوفمبر أسلمت الأسطورة صباح الروح إلى من كرمها واكرمها وميزها وكان رفيق مشوارها وسندها في أصعب المراحل والطعنات...
الجو ملبداً بالغيوم، والامطار غزيرة، والحزن سكن الأمكنة وحضن الضجيج، والشجر لف اغصانه صادحاً أوفها، والناس مندهشة منزعجة من خبر الرحيل، ورحيلها كان متوقعاً..فصباح كانت في كل حواراتها واطلالاتها تُصرح بإنها تنتظر الموت، ولا تخاف منه، وترغب بمعرفة ماذا سيحدث في عالم ما بعد الحياة!
أذكر ذات يوم اتصلت بالمخرجة كلودا عقل قبل رحيل السيدة صباح بشهور، طالباً منها من باب العقل أن نجهز أنفسنا لرحيل كوكب الفن والإنسانية صباح...عندها رفضت كلودا الموضوع وحتى طرحه، وعللت الرفض بأن صباح باقية، والتفكير بذلك قبل أوانه خطأ كبير:" دع الرب يسير الأمور، ولا أريد التفكير بأن الموت يطارد صباح"!
اقتنعت بكلامها، وأنا أدرك إيمانها...وفي الخامسة والنصف صباحاً اتصلت بي لتخبرني أن الرحيل وقع...
أحداث كثيرة تراكمت من حولي بلحظات، السيارة أغرقت بالمطر، الشوارع من الجنوب إلى بيروت فياضانات، وصوت السيدة نضال الأحمدية يرافقني إلى أن وصلت إلى الفندق الذي احتضن صباح...نعم بكيت، نعم تأثرت، نعم فقدت الغالية...ولكن اللحظة حرجة، وتتطلب الصمود..
وصلت، السيدة كلودا عقل مصدومة ومربكة وحزينة حتى الصمت والاختناق...عشرات الوسائل الإعلامية تحاصر المكان والمطر يشاركنا البكاء، والعاصفة هي العاطفة القوية في الخارج...وانهالت الاتصالات من المسؤولين وزياراتهم إلى مكان الاسطورة قبل الرحيل، وقوافل الناس تصل الفندق دون إذن وبعفوية لتؤكد أن صباح مطربة وفنانة الشعب، فالشعب اليوم خسر ذاكرة من ذهب، ذاكرة رافقته كل سنون العمر وأجيال ترافق أجيال...
صباح الجسد في مرجوحة الزمن المؤقت، لقد قرر أن يبقى قليلاً ومن ثم يختفي في قصر خاص، والروح ترفرف فوقنا، وتشارك في مراقبتنا إلى حين...والحين هذه تؤكد أن صباح الجسد هو الفاني، والروح هي الباقية بيننا تشاركنا الوطن وافراحنا والذاكرة الذهبية...   
صباح الروح كتلة من وهج النور المباركة، مبادرة كريمة ومبتسمة، وتطنش على الإساءة، وتضع النقاط على حروف الغدر وتسير إلى مجدها، وصباح متصالحة مع روحها حتى الرمق الأخير، ولم ترتكب فعل الخيانة معها لذلك لم تعش خيانة من حولها، وتكارمت عليهم كما كانت كريمة في فنها ومع فنها ومع الإعلام ومن يطرق بابها!
هذا الوهج في التصالح اغدق على صباح ثقة بالنفس، فكانت نفسها متعالية على صغائر الدنيا، وتتلطف بنا كما تلطف الرحمن بها!
النفس عند صباح مشبعة لا فقر فيها، وما تحمله تهديه لمن يحتاجه، كانت شغوفة بالأناقة، وبالكلام المنمق، وبالحسم كما هي تشتهي لا كما غيرها يريدها أن تكون!
وصباح فعلت ما ترغب به صباح وما يخدم مسيرتها الفنية وصوتها والناس...نعم جاملت العديد من شركاء الفن حتى ينجحوا ويستردوا ما خسروه مع غيرها، وجاملت على حساب شهرتها غالبية الإعلام حتى تنجح انطلاقة برامجهم أو مقالاتهم وحواراتهم، وكانت تعلم أن قلة قليلة ينتقدونها سلباً من أجل أن ينالوا الشهرة، وصباح تسامحهم، وتطنش، لآن حياتها مع الشمس ولا تستحق الظلام!
ذات أمسية أخبرتها عن ثرثرات غيرها فردت بحسم:" لو فكرت بثرثراتهم، ورديت عليهم لغابت شمسي منذ زمن، أنا لا زلت حاضرة وبقوة وشمسهم غابت منذ سنوات..هذه هي نعمة الله، وأنا حافظت على نعمته"!
قالت صباح:" الفن يعطي وهجاً من نور، والشهرة جميلة تفتح لك الأبواب، ولكنها تصيب بالغرور عند من لا يستطيع أن يحملها ويتحملها...الغرور بعيد عني لكوني أثق بصباح الفنانة والإنسانة"!
نعم في رحيل السيدة صباح خسرنا الأم المناضلة والعاطفة، والأخت الحنون والكبرياء، والصديقة الوفية رغم الصعاب، والرفيقة الأصغر بيننا، والرأي الخبرة المبني على منطق وحسم دون تجريح وفرض..وخسرنا الوطن وصباح هي الوطن وهي حلم الوطن.
نعم في رحيل الفنانة الأسطورة صباح خسر العرب مكتبة من أجيال في واحدة إسمها صباح، ذاكرة زمن التأسيس والتميز والمنافسة الشريفة والبصمة، والجمال في الاداء مع الذكاء والتعلم من الخطأ، والتعب دون جميل، والصوت الهادر الذي تمسك بالفن وبالفرح وبالعطاء رغم الصعاب ومراحل العمر والغدر، وزرع أشجار الفرجة والمحبة والذوق في كل مكان وزمان...
نعم حينما وقف قطار صباح المطربة الإنسانة فقدنا الخدمات الجليلة التي قدمتها للمجتمع وللوطن وللناس ولمن حولها ولفن العرب...ما من فرد يرغب في بناء كنيسة ودار صحي ومدرسة ومجلة وفضائية وصحيفة وإذاعة وما شابه يتصل بالسيدة الكبيرة قامة صباح لتساهم في أن يكون وإن يستمر، وتشارك بالمجان، وتدفع من كيسها...!
صباح لم تقف عند شهرة موهبة، بل ساندت المواهب الشابة لذلك كانت شابة، وحاربت الزمن والشيخوخة، فانتصرت على العمر والوجع ومن غدر بها وفازت بأن تكون صباح في القمة رغم تقلبات الزمن والعمر والصحة والوطن...
صباح هي الذاكرة النظيفة...
صباح هي الوطن ودينها التعامل...
صباح أكبر من وطن واشمل من لغة...
صباح أيقونة المكان واسطورة الزمان...
صباح من لحم ودم وفن وتصالح مع الإنسان فيها... 
صباح كتلة من براكين الفن والذوق وحكاية لا تغيب عنها الشمس...
صباح هي صباح الفن والشمس في كل الفصول...




ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top