كتب ألان سركيس في صحيفة "نداء الوطن":
تُعتبر قضية غزة محور السياسة الإقليمية الحالية. الجميع ينتظر ما إذا كان سيُحترم الاتفاق أم لا. ومع إطلاق سراح الرهائن والأسرى، يبقى السؤال، هل سيبقى لبنان رهينة المواقف السابقة، أو أنه سيكسر كل الحواجز ويذهب إلى السلام؟
يدفع لبنان ثمن الحروب والأزمات في المنطقة منذ نكبة 1948. وأرسى اتفاق الهدنة الموقع عام 1949 نوعًا من الاستقرار في الجنوب، بقي حتى عام 1967 يوم قرّر قسم من العرب وبينهم لبنانيون متعاطفون مع القضية الفلسطينية استباحة حدود الدولة وضرب السيادة واستعمال الجنوب ساحة لإطلاق العمل الفدائي.
نكبات كثيرة مرّت على أهل الجنوب ولبنان، من 1967 إلى توقيع "اتفاق القاهرة" عام 1969 وتشريع العمل الفدائي برعاية مصرية، إلى مجمل الأحداث التي سبقت حرب 1975 وصولًا إلى عملية الليطاني عام 1978 واجتياح 1982 الذي حرّر لبنان من منظمة التحرير الفلسطينية. نكبات دفع لبنان بموجبها ثمن الصراع العربي - الإسرائيلي، قبل دخول العامل الإيراني بقوّة وتجنيد قسم من شيعة الجنوب واللبنانيين لصالح مشروع التمدّد الفارسي، ما استجلب الويلات والحروب وآخرها حرب الإسناد.
لم يشف لبنان بعد من نتائج حرب الإسناد التي دمّرت جزءًا من الجنوب وأنهت حزب الله العسكري بشكله السابق. وتشير كل المعطيات والمؤشرات والمعلومات إلى أن لا إعادة للإعمار قبل نزع كل سلاح غير شرعي وعلى رأسه سلاح حزب الله والمباشرة بعملية سلام تمنع الحروب.
وفي السياق، برز كلام رئيس الجمهورية جوزاف عون عن التفاوض مع إسرائيل والسلام، وقامت عاصفة ردود غير مبرّرة على كلام الرئيس، خصوصًا من محور الممانعة الذي يرى التفاوض حسب مصالحه.
وإذا كان البعض يشير إلى ما يقوم به الرئيس السوري أحمد الشرع من تفاوض مع إسرائيل لضمان سلامة سوريا واستعادة الحقوق، إلا أن هناك من يغمز من قناة رئيس الجمهورية اللبناني بالقول إنه لا يحقّ له التفاوض لوحده لأن الدستور وخصوصًا دستور الطائف لا يمنحه هذا الحقّ.
وبالعودة إلى الدستور، فالمادة 52 واضحة وتعطي الرئيس صلاحية المفاوضة الخارجية، وتنص هذه المادة على أن يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح المعاهدات مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتقوم الحكومة بإطلاع مجلس النواب عليها كلما سمحت بذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. كذلك فإن المعاهدات التي تتعلق بمالية الدولة أو المعاهدات التجارية أو أي معاهدات أخرى لا يمكن فسخها سنة بسنة، ولا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب.
إذًا، المادة 52 واضحة وتمنح الرئيس هذا الحق والصلاحية، وبالتالي، باتت الأمور في ملعب الرئيس عون، ويملك قدرة قلب الطاولة وإنهاء حقبة دموية من تاريخ لبنان تجسّدت بـ"حروب الآخرين على أرض لبنان".
وفي السياق، تراقب بعبدا الوضع عن كثب، وتقرأ جيدًا في تركيبة المنطقة الجديدة، ولا تريد للبنان أن يخرج من ركب المنطقة. لا تنازل عن الحقوق والأرض، لكن لا لإدخال لبنان في مواجهات عبثية تكون خدمةً لمصالح الآخرين وليس مصلحة الجنوب ولبنان.
لا يريد عون تفاوضًا مباشرًا في هذه المرحلة، بل يرغب بتفاوض على طريقة الحدود البحرية وبرعاية أميركية، وهناك نقاط عدّة عالقة مثل الأراضي المحتلة، والنقاط البرية الـ 13 وقضية مزارع شبعا والحدود البحرية والثروة الغازية والنفطية، وبالتالي، أي تفاوض سيكون لاسترجاع هذه الحقوق.
ولا يخفي عون في تصاريحه الرغبة بالسلام، فلبنان عاش الحروب المدمّرة، وبات غير قادر على دفع الفواتير عن غيره، وإنهاء الحروب والعودة إلى الاتفاقات الدولية تعني حالة سلام لا حرب، وبالتالي، لا خجل في لبنان من طرح هذا الموضوع.
يراقب الجميع كيف سيتصرّف عون في المرحلة المقبلة، العيون شاخصة إليه، يستطيع أن يمضي في عملية التفاوض والسلام، ويملك حق المضي والتوقيع، فهل سيكسر المحرمات ويذهب باتجاه حلّ أكبر مشكلة في تاريخ لبنان وأساس كل المشاكل؟ النية موجودة، والمرحلة المقبلة ستكشف المزيد.