قال الرئيس الشهيد رشيد كرامي يومًا: “إن العداوة والصداقة لا تدومان، بل المصالح هي التي تدوم”.
تلك هي الواقعية السياسية التي تُرجمت بحروفها كاملة في القصر الرئاسي الروسي بين أعداء الأمس، فمن كان يتخيّل أن يرفرف علم الثورة السورية خلف فلاديمير بوتين يومًا؟
بعد سنوات من المواجهات الدامية بين نظام بشار الأسد وقوات المعارضة السورية، التي تولّت الجزء الأقسى منها القوات الروسية، والتي رجّحت – إلى جانب إيران وأذرعها – الكفة لصالح الأسد حتى سقوطه ليلة الثامن من كانون الأول عام 2024، بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع، الذي استطاع، إبّان خوضه معركة ردع العدوان عبر هيئة تحرير الشام، أن يُشرِّع الأبواب الروسية قبل بلوغه أبواب دمشق. فالرئيس الشرع، وفي حديثٍ تلفزيوني، قال إنه كان باستطاعته مهاجمة القواعد الروسية، لكنه ارتأى مصلحة سوريا والثورة على السواء في سحب البساط الروسي – أحد أهم حلفاء الأسد الاستراتيجيين – من تحته، فتوصّل مع الروس إلى تفاهمٍ حول مرحلة ما بعد سقوط النظام وترتيب العلاقة مستقبلًا.
من الواضح أن التحالف الروسي السوري الممتدّ لأكثر من ثمانية عقود لا يرتبط باسم شاغل قصر الشعب، بل بمن يحكم الشعب، انسجامًا مع الواقعية التي تحكم العلاقات السياسية بين الدول التي تولي مصالحها الاستراتيجية رأس هرم الأولويات. تلك هي المصالح، فالدول – كما يقول مكيافيللي “لا تُحكَم بالصلوات”.
باستقبالٍ مهيبٍ ولقاءٍ مطوّلٍ تخلّله غداءٌ ومزاح، استُقبل الرئيس السوري أحمد الشرع بحفاوةٍ بالغة، أراد من خلالها القيصر الروسي فلاديمير بوتين التأكيد على أن روسيا مستعدّة لكتابة فصلٍ جديدٍ في العلاقة مع سوريا، ولكن بالحبر السوري هذه المرة. فالشروط السورية واضحة: من التعويضات عن الحرب، إلى الامتناع عن تسليح فلول النظام البائد، مرورًا بلعب دورٍ في الاتفاق الأمني مع إسرائيل جنوبًا، وصولًا إلى تسليم رأس النظام بشار الأسد وشقيقه وأعوانه الاثني عشر، في مقابل الإبقاء على التعاون العسكري والاقتصادي والتجاري وغيره. فالحنكة السياسية التي يتمتّع بها الشرع جعلته لا يقف عند حدودٍ تحالفيةٍ محددة، بل يتوجّه شرقًا وغربًا، ويُزيل أيّة عوائق ممكنة أمام إحداث النهضة السورية الموعودة. تطلّعات الشرع السياسية إنما تنبع من اعتناقه الواقعية السياسية القائمة على البراغماتية في سبيل مصلحة سوريا.
أحمد الشرع، الذي مازح القيصر قائلًا إن “درج الكرملين طويل، لكنه رياضيٌّ لم يتعب”، يؤكد بذلك استعداده القوي لأيّ مواجهةٍ سياسية، وأن لديه من الصبر ما يكفي لبلوغ الأهداف التي رسمها لقيادة السفينة السورية إلى برّ الأمان، مهما اشتدت العواصف وضربت الأمواج.
موقع سفير الشمال الإلكتروني