تعيش القارة الأوروبية في السنوات الأخيرة حالة من الترقب والقلق، حيث تتكثف المؤشرات التي توحي باقتراب مواجهة عسكرية كبرى، قد تقع على أراضيها لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي ظل المتغيرات العالمية المتسارعة، تصاعدت مخاوف أوروبا، ليس فقط من الحرب، بل من تراجع نفوذها الاقتصادي والسياسي، وتهميش دورها في النظام العالمي الجديد الذي يتشكل ببطء ولكن بخطى ثابتة.
من هنا تبرز الأسباب والمخاوف الأوروبية من حروب قادمة:
– (الحرب الأوكرانية): حيث غيّرت الحرب الروسية الأوكرانية طبيعة الصراع في أوروبا، وجعلت فكرة الحرب على أراضي الاتحاد الأوروبي واقعاً محتملاً. كما أن التمدد الروسي شرقاً يُقابله توسع للناتو، مما يخلق بيئة تصادمية تنذر بمواجهات مباشرة.
– (ضعف القدرات العسكرية): وهذا ما تعانيه أغلب دول أوروبا من ترهّل في ترساناتها الدفاعية مقارنة بالقوى الكبرى، مثل: روسيا، والصين، وأمريكا. كما أن الاعتماد الكبير على المظلة الأمريكية في حلف الناتو يُثير قلقاً أوروبياً من تخلي واشنطن عن أوروبا في لحظة ما.
– (الصراع في بحر البلطيق وبحر الشمال): حيث يتنامي التوتر في هذه المناطق الحساسة وقد يفتح بابًا لصراعات بحرية أو سيبرانية واسعة النطاق.
الهواجس الاقتصادية والانهيارات المحتملة تكمن في:
– (أزمة الطاقة): حيث أدت المقاطعة الأوروبية للغاز الروسي إلى أزمة طاقة حادة، دفعت أوروبا إلى سياسات تقشف صناعي، وانكماش اقتصادي.
– (الديون والتضخم): وهذا ما تعانيه بعض دول أوروبا، خاصة في الجنوب، من تضخم متسارع، وديون عامة ضخمة تهدد الاستقرار النقدي والمالي.
– (تنامي الصناعات الآسيوية): التي جعلت أوروبا في منافسة شرسة مع الصين والهند في مجالات التكنولوجيا والصناعة والذكاء الاصطناعي، مما يضعف موقعها في الاقتصاد العالمي.
وفيما يخص تراجع العلاقات والنفوذ الأوروبي يتلخص بما يلي:
– تقلّص الدور الأوروبي في الشرق الأوسط وأفريقيا، كان لصالح روسيا والصين وتركيا.
– فشل سياسات الهجرة والتدخل العسكري (كما في ليبيا ومالي) أدى إلى فقدان الثقة.
– نظرة الادارة الأمريكية المتعاقبة، خاصة خلال السنوات العشر الأخيره ، التي لم تعد ترى أوروبا شريكا استراتيجيا أولا، بل كحليف ثانوي.
– خروج البريطاني (بريكست) شكل ضربة رمزية ومؤسساتية لوحدة أوروبا، وأعاد النقاش حول هشاشة المشروع الأوروبي.
على صعيد المستقبل الجيوسياسي لأوروبا في النظام العالمي الجديد، تجد نفسها:
– عالقة بين صراعات الكبار، دون القدرة على تشكيل قوة ثالثة فاعلة.
– كما أن المبادرات الأوروبية المستقلة (مثل جيش أوروبي موحد) ما تزال متعثرة.
– وتزايد الخطابات الشعبوية، وازدياد الاستقطاب الداخلي في بعض الدول الأوروبية (مثل فرنسا، ألمانيا، إيطاليا) يُضعف القرار الموحد.
– تحديات الهجرة تُغذي الانقسام المجتمعي والسياسي.
رغم كل هذه الأزمات، ما زالت أوروبا تملك عناصر قوة: كالتعليم، والتكنولوجيا، والقوة الناعمة، والديمقراطية.
وقد يُعيد التهديد المشترك (الحرب والاقتصاد) تفعيل مشروع وحدة أوروبية جديدة على أسس أكثر واقعية واستقلالاً عن واشنطن.
وبناء على ما تقدم، تقف أوروبا اليوم على مفترق طرق مصيرية. بين إحتمال الإنزلاق إلى حرب لا تريدها، ومخاطر التفكك الاقتصادي والاجتماعي بين دولها، مما يدفع هذه القارة العجوز الى البحث الجدي عن توازنات جديدة في نظام عالمي يتغيّر بعمق.
ولئن كانت التحديات هائلة، فإن مستقبل أوروبا سيُرسم بقدر ما تُحسن دولها إدارة المخاوف، وتوظيف الموارد، وتعيد رسم أولوياتها في عالم متعدد الأقطاب.
The post أوروبا بين شبح الحرب وتحديات الإنهيار!.. بقلم د. عبدالرزاق القرحاني appeared first on .