تأتي زيارة الدكتور علي لاريجاني الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتقاطع مع مجموعة من المتغيرات الإقليمية التي تعيد رسم ملامح المشهد السياسي في المنطقة. فالزيارة لم تكن مجرد حدث بروتوكولي، بل يمكن قراءتها كرسالة سياسية بليغة، تعكس جدية إيران في الانفتاح على الرياض، وبحث آفاق جديدة من التعاون بعد سنوات طويلة من التوتر.
مبادرة الشيخ نعيم قاسم
وفي هذا السياق، يكتسب موقف الامين العام الشيخ نعيم قاسم الذي أطلق مبادرة لإعادة العلاقات مع السعودية أهمية مضاعفة. فهذه المبادرة، الصادرة من قيادة وازنة في محور المقاومة، تندرج في إطار محاولة بناء جبهة داخلية ـ إسلامية ـ أكثر تماسكا، قادرة على مواجهة التحديات المتصاعدة، وفي مقدمتها المشروع الإسرائيلي الذي يسعى إلى فرض وقائع جديدة في فلسطين والمنطقة.
معاهدة الدفاع السعودية ـ الباكستانية
يضاف إلى ذلك التطور اللافت المتمثل بتوقيع معاهدة الدفاع بين السعودية وباكستان قبل أيام، والتي تشي بأن الرياض تبحث عن شراكات استراتيجية متينة تتجاوز بعدها العربي لتصل إلى العمق الإسلامي الآسيوي. وهو ما يعكس إدراكها لخطورة المرحلة، وضرورة بناء منظومات ردع وتحالفات رديفة تكفل لها الحضور والقدرة على مواجهة التحديات الأمنية.
خطاب الرئيس الإيراني في القمة العربية
كما لا يمكن فصل هذه التحركات عن الموقف الذي أعلنه الرئيس الإيراني في القمة العربية الأخيرة، حين دعا إلى تشكيل تحالف إقليمي يضع حداً للجموح الإسرائيلي. فهذا الطرح يأتي منسجماً مع التحركات السياسية الأخيرة، ويشير إلى أن ثمة إدراكاً متنامياً لدى القوى الفاعلة في المنطقة بأن الخطر الحقيقي ليس في التباينات البينية، بل في المشروع الإسرائيلي ـ الأميركي الذي يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي برمته.
وعليه، فإن تلاقي هذه الأحداث – زيارة لاريجاني، مبادرة الشيخ نعيم قاسم، معاهدة الدفاع السعودية-الباكستانية، ومواقف طهران في القمم العربية – يشي بأن المنطقة تتجه نحو مرحلة جديدة من إعادة التموضع السياسي والاستراتيجي. مرحلة عنوانها: البحث عن شبكة أمان جماعية تكبح الطموحات الإسرائيلية وتواجه الاعتداءات المتكررة، كما حصل مؤخراً في استهداف قطر، وتفتح في الوقت نفسه أبواب الحوار والتقارب بين القوى الإسلامية الكبرى، تمهيداً لرسم معادلة إقليمية أكثر توازناً وعدالة.