لم يعد ما يُسمى بـ "مشروع إسرائيل الكبرى" مجرّد أسطورة في دفاتر التاريخ أو أوهام تُحاك في الغرف المظلمة. فبعد أن كشف نتنياهو بنفسه عن الخريطة الجديدة التي يطمح الكيان الصهيوني لفرضها، أصبحنا أمام مواجهة علنية وصريحة مع مشروع توسّعي يستهدف هوية المنطقة، وحدة شعوبها، ومستقبل أجيالها.
هذا المشروع ليس جديداً؛ فهو قائم على مبدأ السيطرة من النيل إلى الفرات، ولكن الجديد اليوم هو الوقاحة في الإعلان والاندفاع المدعوم غربياً لإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط وفق مصالح إسرائيل. والسؤال: ما انعكاسات هذا المشروع على الأمن القومي العربي، وبالأخص على دول الطوق ومصر وتركيا، وما علاقة ذلك بمحاولة فرض "الدولة الكردية"؟
*مصر: درة التاج ومفتاح الشرق الأوسط*
الأمن القومي المصري لطالما ارتكز على ثلاث قواعد استراتيجية:
منابع النيل: شريان الحياة الذي حاول الغرب، عبر أدواته في إفريقيا، أن يعبث به من خلال مشروع سد النهضة وغيره، في محاولة لخنق مصر مائياً.
الجنوب السوري: لطالما كان خط الدفاع الأمامي لمصر، فاستقرار سوريا هو استقرار لمصر. لكن المؤامرات والحروب هناك تهدف إلى شطب هذا الدور وتفكيك الجبهة الشرقية.
شمال مصر: المتوسط ومضائق سيناء، حيث يدور صراع الإرادات الكبرى، ومحاولات إدخال مصر في صفقات مشبوهة تتعلق بغاز المتوسط وأمن سيناء.
لقد أسقط الغرب هذه القواعد الواحدة تلو الأخرى: عبثوا بمصادر النيل، أشعلوا النار في سوريا، وحاصروا مصر من البحر والبر، لتبقى عارية أمام المشروع الصهيوني. وهنا تكمن الخطورة الكبرى على "درة التاج"، مصر، التي يريدون تحويلها إلى دولة مستهلكة تابعة، بعد أن كانت قلب العروبة النابض.
*تركيا بين الطموح والكمين الإسرائيلي*
تركيا اليوم تعيش تناقضاً: من جهة قوة إقليمية كبرى تحاول استعادة نفوذها التاريخي، ومن جهة أخرى محاصرة بمشروع إسرائيلي يستهدف خاصرتها. إقامة كيان كردي مستقل في شمال العراق وسوريا ليس مجرد حلم للأكراد، بل هو مشروع إسرائيلي بامتياز يهدف إلى تقطيع أوصال المنطقة وإبقاء تركيا رهينة التهديد الدائم.
فإسرائيل تعرف أن تركيا إن صعدت، فإنها ستشكّل وزناً مضاداً للمشروع الصهيوني. لذا تعمل على زرع قنبلة موقوتة على حدودها الجنوبية والشرقية.
*الدولة الكردية: خنجر إسرائيل في قلب الأمة*
مشروع الدولة الكردية ليس بدافع "حقوق قومية"، بل هو أداة استراتيجية لإسرائيل. فهي تحاول من خلاله خلق كيان تابع لها، يفصل العالم العربي عن تركيا وإيران، ويمد إسرائيل بعمق جغرافي واقتصادي وأمني. إن تحقق هذا المشروع، فسيكون بمثابة "إسرائيل ثانية" في خاصرة المنطقة.
*سلاح المقاومة: درع الأمة وسيفها*
وسط هذه المؤامرات، تبرز المقاومة كسلاح الأمة الوحيد القادر على مواجهة المخططات. في لبنان، العراق، اليمن، وإيران، سلاح المقاومة ليس مجرد خيار عسكري، بل هو خيار وجودي يحمي الأمن القومي العربي من الانهيار.
في لبنان، المقاومة كسرت هيبة إسرائيل وأثبتت أن العدو قابل للهزيمة.
في العراق، شكلت المقاومة صمام أمان بوجه المشروع الأمريكي – الإسرائيلي.
في اليمن، أظهرت أن الإرادة الصلبة قادرة على قلب الموازين.
وفي إيران، يشكّل محور الدعم للمقاومة العمود الفقري في التصدي للهيمنة الصهيونية.
إن مشروع إسرائيل الكبرى يهدد الجميع: العرب، الأتراك، والإيرانيين. ولكن الخطر الأكبر موجه لمصر، قلب المنطقة، ولتركيا التي يراد ضربها بالورقة الكردية. أمام هذه التحديات، لا بد من وعي قومي ثوري يدرك أن المعركة ليست حدودية أو ظرفية، بل معركة وجود ومصير.
ولذلك، فإن سلاح المقاومة هو خط الدفاع الأول والأخير عن كرامة الأمة وأمنها القومي. من يتخلى عنه يفرّط بمستقبل الأوطان، ومن يتمسك به يكتب للتاريخ فصلاً جديداً من الحرية والانتصار.