عبر التاريخ القديم والحديث، وعند كل موجة استعمارية ينقسم الحكام ومن تبعهم من الناس بين مجاهد ومقاوم من جهة وبين خائن أو متخاذل من جهة أخرى.
حصل ذلك في مواجهة حملات الفرنجة التي دامت قرابة 200 عام، وفي مواجهة حملات التتار التي دامت قرابة 100عام، وفي مواجهة الإستعمار الأوروبي في القرنين الماضيين، وفي مواجهة الاحتلال الصهيوني (77 عاما).
وعندما نقرأ التاريخ في مرحلتيّ الحرب العالمية الأولى والثانية والتحضيرات التي كانت تجري لاحتلال فلسطين، يظهر بشكل واضح أن بعض العرب تحالفوا مع المستعمر الأوروبي ومع قيادات يهودية مما سهل زرع الكيان في امتنا، وقد حرك هؤلاء كراسي السلطة وبعضهم كان يطمع في اراضٍ فلسطينية، وما زال احفاد هؤلاء يتابعون لعب الدور نفسه رغم انكشاف بشاعة العدو وإجرامه وأحلامه التوسعية، وهم يفتخرون بتبعيتهم لأميركا الراعي الأول للاحتلال والداعم لاحلامه، ويعتزون بوقوفهم ضد الحركات الثورية بدءاً من ثورة 23 يوليو وقائدها البطل جمال عبد الناصر.
في المقابل، كان هناك عبر التاريخ أيضا، توجه جهادي مقاوم، تمثل في طرد الفرنجة من بلادنا بعد توحيد الجهود العربية بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وفي انتصار المماليك في عين جالوت، وفي مواجهة حملة نابليون ومن ثم الاستعمار الأوروبي الذي تعرض لضربة كبيرة إثر ثورة 23 يوليو في مصر وطرد البريطانيين لاحقا وهزيمة العدوان الثلاثي عام 1956، وبعدها الثورة الجزائرية المنتصرة وتحرر الدول العربية بشكل كامل، وصولا لانطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة 1965 وحرب تشرين 1973 وانتفاضة الحجارة عام 1987 وصولا لتحرير لبنان على يد المقاومة الإسلامية عام 2000 وتحرير غزة عام 2005.
وها نحن نعيش منذ 7 تشرين اول 2023 نفس المشهد ولكن بشكل أبشع، لأن حجم الخيانة والتخاذل لم يخطر على بال احد، خصوصا أن العرب مجتمعين يملكون قدرات سياسية واقتصادية وإعلامية وعسكرية لا يستهان بها، وفي حال قرروا التضامن لإنقاذ الأمة من الجرثومة الصهيونية والتخلص من التبعية لأميركا والغرب لحققوا ذلك بقرارات شجاعة، ولكننا نعتقد أن بعضهم لن يفعل لأنه مرتبط بالمشروع الأميركي الغربي الداعم للكيان الغاصب، وبالتالي هم مرتبطون بالمشروع الصهيوني التوسعي الذي سوف يأكلهم كما أكل الثور الأبيض وسوف يسقطون كما سقط العرب في الأندلس الذين راهنوا على أعدائهم في مواجهة بعضهم البعض بدل أن يوحدوا جهودهم لمقاومته وهزيمته.
وتبقى حقيقة تاريخية خلاصتها “أنه لا يمكن للاحتلال أن يدوم ولا بد لخيار المقاومة والجهاد أن ينتصر مهما طال الزمن ومهما بلغت التضحيات”.
ويبقى الأمل بالله وبسواعد المقاومين الأبطال وأحرار الأمة المخلصين في إيمانهم وعروبتهم.
ـ الكاتب: المحامي عبدالناصر المصري
ـ مسؤول المؤتمر الشعبي اللبناني في طرابلس