لم تكن العلاقة اللبنانية ـ السورية يوماً طبيعية بين دولتين جارتين. فمنذ ما قبل وصول حافظ الأسد إلى الحكم، شكّلت بيروت ملجأً لمعارضي دمشق، ثم تحوّلت لاحقاً إلى ساحة وصاية أمنية وسياسية امتدت لثلاثة عقود. ومع الخروج العسكري السوري عام 2005، انتقل النفوذ إلى “حزب الله” برعاية إيرانية، فأصبح لبنان أسير التداخل الإقليمي وصراعاته المفتوحة.
اليوم، مع وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الحكم أواخر العام 2024، تطرح دمشق مساراً مغايراً. فالشرع، الذي برز عقب التحولات الإقليمية التي فجّرها “طوفان الأقصى”، أعاد تعريف موقع سوريا في المنطقة بسرعة لافتة. فقد نجح في كسب تحالفات دولية كبرى، بينها روسيا حليفة الأسد لعقود، وطرح رؤية تقوم على إعادة ضبط الحدود وبناء علاقات ندّية مع الجوار.
على المستوى اللبناني، كانت الخطوات السورية واضحة: وقف تهريب السلاح والمخدرات، تفكيك شبكات الكبتاغون، ومصادرة الشحنات غير الشرعية. وهي إجراءات احتفى بها اللبنانيون شعبياً بوصفها إنجازاً عجزت حكوماتهم المتعاقبة عن تحقيقه، فيما تعامل معها السياسيون ببرود بيروقراطي لا يرقى إلى مستوى اللحظة.
هذا الفتور يمكن قراءته في اتجاهين: إما عجز مستمر عن التحرر من عقدة الوصاية السورية السابقة، أو انتظار إشارة من الراعي الإقليمي، ولا سيما السعودية، لتحديد طبيعة التعامل مع دمشق الجديدة. وفي الحالتين، تبدو الطبقة السياسية في بيروت أسيرة ماضٍ لم يعد قائماً، غير قادرة على قراءة المتغيرات الإقليمية السريعة.
المفارقة أن ما قدّمه الشرع للبنان في أشهر قليلة شكّل لبّ المطالب التي رفعها اللبنانيون لعقود تحت شعار “الحرية والسيادة والاستقلال”. ومع ذلك، تستمر الدولة اللبنانية في التعاطي ببرود مع فرصة كان يمكن أن تعيد رسم العلاقة مع سوريا على أساس الندية والاحترام المتبادل.
بينما ينطلق قطار التحولات في الشرق الأوسط، يبدو لبنان عالقاً في مقعد المنتظر، متوهماً أنه ما زال في قلب أولويات المجتمعين العربي والدولي. غير أن الفرص تمرّ من أمامه تباعاً، فيما “جمهورية الفرص الضائعة” تكرر أخطاء الماضي، وتفشل في استثمار لحظة سياسية نادرة قد لا تتكرر.
موقع سفير الشمال الإلكتروني
اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار
طباعة المقال
ارسل إلى صديق
اضافة إلى المفضلة
حفظ الموضوع