في كلّ مرّة يزور فيها البطريرك الماروني بشارة الراعي أيّ منطقة لبنانية يُطلق مواقف سياسية تثير الكثير من الجدل وتطرح أسئلة حول أسبابها وخلفياتها، نظراً لما تتركه خلفها من تداعيات على مختلف الصّعد، سواء المسيحي أو الوطني.
يوم أمس زار البطريرك الرّاعي برفقة السّفير البابوي في لبنان باولو بورجيا خمس بلدات مسيحية حنوبية تقع في عمق الجنوب اللبناني على تخوم فلسطين المحتلة، وهي: دبل، القوزح، عين إبل، رميش وعلما الشعب، حيث استقبله فيها فاعليات وأهالي هذه البلدات؛ وفي كلّ منها ألقى الراعي كلمات وأطلق مواقف لم يأتِ فيها ولو لمرّة واحدة على ذكر العدو الإسرائيلي الذي تسبّب في دمار وتهجير أغلب قرى وبلدات الجنوب، إلى جانب سقوط مئات الشّهداء والجرحى جرّاء عدوانه المستمر على لبنان.
أكثر من ذلك، فخلال جولة البطريرك الراعي الجنوبية أمس ألقت محلقات إسرائيلية قنابل باتجاه حرش قطمون ومحيط الجدار في أطراف بلدة رميش، بالتزامن مع زيارة البطريرك الراعي إلى البلدة، كما استهدفت مسيّرة إسرائيلية بلدة ميفدون بصاروخين أديا الى سقوط جريح والتسبب بحالة هلع وخوف وسط الأهالي، ومع ذلك فقد إستمر الراعي بتجاهله “الرسائل” التي أرسلها له العدو الإسرائيلي له على بعد أمتار منه.
في الكلمات ـ المواقف التي أطلقها الراعي في محطاته خلال جولته الجنوبية، تمنى البطريرك الماروني “الشّفاء للجرحى الذين سقطوا”، ودعا إلى “التماس السّلام العادل والدائم” و”إعادة إعمار المنطقة”، لكنّه لم يُشر إلى من تسبّب بسقوط هؤلاء الجرحى فضلاً عن الشهداء، ولا إلى من يفترض إلتماس السّلام معه، ولا إلى من دمّر البلدات الجنوبية وهجّر أهاليها، وكأنّ الفاعل مجهولاً وليس معلوماً.
تجاهل الراعي تسمية “العدو” الذي تسبّب بكلّ المآسي التي ألحقها بالجنوبيين، إستمر عندما تطرّق في كلمة له خلال جولته الجولته إلى ما يحصل في قطاع غزّة من جرائم وإبادة ومجازر يرتكبها الإسرائيليون بحقّ أهالي القطاع، عندما أشار إلى أنّه “نصلّي من أجل إحلال السّلام في غزّة، ووضع حدّ لتجويع المدنيّين أطفالاً وكباراً. فالموت جوعاً وصمة عار في جبين هذا العصر”.
ومع أنّ الرّاعي عبّر عن إيمانه بأنّ “الوطن ليس تراباً فقط، بل هو كيانٌ ورسالة”، معتبراً أنّ “لبنان هذا الوطن المبارك، لا يحتاج إلى إصلاح إداريّ فقط، بل إلى تجلٍّ روحيّ ـ وطنيّ”، فإنّه تجاهل أنّ هذا الوطن ـ الرسالة يحتاج أيضاً إلى تضامن أبنائه مع بعضهم البعض في وجه الإعتداءات الخارجية عليه، وليس الإكتفاء بالوقوف منها موقف المتفرّج، وكأنّ ما يتعرّض له بعض أبناء هذا الوطن من إعتداءات منذ سنوات وعقود هم أبناء بلد آخر يقع وراء البحار، وليسوا شركاء في لبنان ـ الرسالة.
هذه الإلتباسات في مواقف الراعي تثير جدلاً دائماً في كلّ جولة داخلية أو خارجية يقوم بها منذ انتخابه بطريركاً في 15 آذار عام 2011، منها زيارته في أيّار من العام 2014 إلى فلسطين المحتلة، وهي زيارة ما تزال تداعياتها حاضرة، وطرحت أسئلة حول حجم الفارق بين الشّأن الكنسي والتطبيع مع العدو، ليكون أوّل شخصية دينية لبنانية رسمية تزور الكيان منذ احتلاله فلسطين في العام 1948، ومسجلاً سابقة في تاريخ الكنيسة المارونية، برغم الإعتداءات التي قام ويقوم بها العدو الإسرائيلي على المراكز الدينية المسيحية في الأراضي المحتلة، والمضايقات التي يتعرّض لها المسيحيون هناك، وفي لبنان أيضاً.
موقع سفير الشمال الإلكتروني