أبو سلمان - أحمد سلمان حطيط - "أبو سلمان" الكنية غلبت الاسم، وتربعت في الذاكرة الخضراء، تشكل في داخلها ينبوعاً من الصور التي نحب، وقبل هذا الرحيل تكلل عمره في أن يكون " جد الشهداء"، والأصعب أن كل الذاكرة في الشجر والأرض وحبات التراب والحجر والمنزل القديم وغالبية حروب لبنان المتكررة، والمنازل الحديثة التي دمرت في حرب الشياطين علينا، الحرب الاخيرة كانت على أمة تدافع عن كل الأمم، وأبو سلمان قدم احفاده قرابين كي تبقى الأمة، وكي يمهد للمنتظر...
أبو سلمان حطيط، من الطفولة إلى اللحظة ونحن نسولف بخبريات صنعت في دكانته- البقالة- كنا صغاراً نسعد إذا اشترينا من عنده، أو يزداد فرحنا ونحن ننظر إلى الحلويات دون أن نشتريها بسبب قلة الفلوس...الحجة إم سلمان سبقته إلى الأبدية، كانت تستقبلنا بالفرح والبسمة، وتحدثنا كثيراً، وتختم حواراتها الدائمة بالدعاء...هي رحلت دون أن تشهد شهادة الأحفاد، ودمار الدار التي سيعاودون البناء مع لوحة ذهبية لأهل الدار الشرفاء...
أبو سلمان لا يقرأ إلا كتاب الله، ولا يؤمن بكثير مما ينشر في الإعلام، ويعتبر ما تنشره الصحف آنذاك:" كله كذب بكذب"، وكنا دائماً نناقشه بحدية حول الصعود إلى القمر، لكن أبو سلمان كان لا يصدق أن الأميركي صعد القمر، واعتبر ذلك كذبة كبيرة!
أبو سلمان علمنا الحديث بهدوء، والعمل دون ضجيج، ولا يحب الثرثرة، وضحكته ناعمة وخاطفة، وكانت ذاكرته حاضرة إذا أخبرته عن أهلك واجدادك!
قبل هذه الحرب، أخذت الأحفاد إلى دكان أبو سلمان، ليتعرفوا على تاريخ البلدة في خشب وحجر وصفحات الدكان، رحب بالأطفال والشباب، وهو جالس على كرسيه، وأمامه كتاب الله، أشار إلى جدران الدكان وقال:" كل ما في هذه الدكان تجاوز ال 82 سنة من الصبر والتعب والفرح"!
لحظتها أديب ووجدي ووليد غمرتهم الثقة والسعادة، فالذاكرة تتحدث، وصورة الماضي أصبحت حاضرة في جيل المستقبل، والمستقبل المبني على حقيقة من لحم ودم لا ولن تغيب عنها الشمس...
مع رحيل أبو سلمان - أحمد سلمان حطيط- طويت ذاكرة طفولتنا في بلدة الدوير الغالية، وبدأت "دكانه التي أصبحت تراثاً، وكانت معلماً للهدف في البلدة"، بدأت ترحل مع غبار الصاروخ الصهيوني، لتتربع في ذاكرة مطرزة بالصبر والجهد والتعب والحب والأمل..أبو سلمان شخصية قروية توسطت غرف المدرسة التي كانت متناثرة من حول دكانه ...أبو سلمان في ذمة الله كان الشاهد الحقيقي على أيامنا وصاحبنا وانتصاراتنا وتحياتنا إلى آخر نقطة ماء من روحه الطاهرة..