"دخلنا مرحلةً جديدة، وهذه المرحلة يجب ألا تكون استمرارًا للمرحلة الّتي سبقتها، بل يجب أن تكون نقلة نوعيّة للبنان إلى مرحلةٍ أخرى. ولهذا السّبب بدأت المعارضة بسلسلةٍ من المشاورات والاتصالات واللقاءات فيما بينها. واللقاءات تهدف بشكلٍ رئيسيّ للعمل على مستويين: الأوّل وهو ذلك المتعلّق بالسّقف المطلوب، وتحديدًا السّقف الذي وضعه المجتمع الدوليّ، حيث لن يُسمح برئيس للجمهوريّة أو حكومة لا تلتزم بالدستور اللّبنانيّ، والقرارات الدوليّة، واتفاق الطائف. أما الثاني، فيتدرج ضمن مطلب تثبيت وقف إطلاق النار واستنكار الخروقات، والتأكيد على أن يكون القرار محترمًا من جميع الأطراف الخارجيّة والداخليّة، للتأسيس للمرحلة المقبلة".
بهذه الكلمات لخّصت مصادر "المدن" في حزب القوّات اللّبنانيّة، فحوى الاجتماع الدوريّ لكن الأوّل من نوعه بعد إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار، لـ "لجنة متابعة المعارضة"، والّتي عُقدت في معراب، وترأسها رئيس الحزب سمير جعجع، ودُعي إليها عددٌ من النواب المستقلين والدائرين في فلك المعارضة اللّبنانيّة فضلًا عن حزب الكتائب اللّبنانيّة وكتلة "تجدّد".
أما الدعوة المقتضبة الّتي وُجهت لثلاثة من نواب التغيير "فليست الأولى، والتواصل مستمر، وهناك توزيع للأدوار بين الكتل المعارضة لتوحيد الجهود، وتحقيق الهدف المشترك. وهذا ما قامت به كتلة الجمهوريّة القويّة أيضًا، حيث توزع الأدوار من أكثر من جهة لضمان الوصول إلى الهدف المنشود". يقول المصدر، ردًّا على سؤال "المدن" بخصوص دعوة عددٍ محدود، من دون حضور سائر القوى والأفراد من المعارضة.الرئاسة، السّيادة والاستقرار: المطلب الأوّلحضر اللقاء عدد من أعضاء تكتل الجمهوريّة القويّة، النوّاب غسان حاصباني، كميل شمعون، فادي كرم وأنطوان حبشي وعن كتلة الكتائب النواب نديم الجميل وسليم الصايغ وعن كتلة تجدد النواب أشرف ريفي، فؤاد مخزومي، وميشال معوض وعن كتلة تحالف التغيير النواب وضاح الصادق، ميشال الدويهي ومارك ضو والنائب أديب عبد المسيح.
وذكر البيان الختاميّ أن الجلسة تطرقت لموضوعات عدّة وتحديدًا الأمور الطارئة في البلاد، ومنها الفراغ الرئاسيّ والموقف من اتفاق وقف إطلاق النار، وجاء في البيان، الذي تلاه النائب سليم الصايغ: "تلتقي كتل ونواب قوى المعارضة ولبنان يمرّ بمرحلةٍ تحولٍ مفصليّة تتطلب عملًا مكثفًا لتثبيت الأمن والاستقرار والإسراع بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسسٍ صلبة إصلاحيّة وانطلاقًا من الثوابت السّياديّة والدستوريّة والديمقراطيّة".
وتابع: "وبناءً عليه، تؤكد كتل ونواب قوى المعارضة على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار من خلال: استعجال تطبيق الآليات والخطوات العملية التي وافقت عليها الحكومة في جلستها المنعقدة في 27 تشرين الثاني الماضي خصوصًا لجهة تطبيق القرارات الدولية 1559، 1680، 1701 والبنود ذات الصلة في اتفاق الطائف، والتعاطي الحازم مع الخروقات، ضبط السّلاح وحصره مع الجيش اللبناني، وانتشار الجيش اللّبنانيّ على كافة الحدود والأراضي اللّبنانيّة، وذلك سعيًّا للوصول الى دولة فعليّة يبسط الجيش اللبناني سيادة الدولة على كافة أراضيها وحماية حدودها وضبط كل معابرها تمهيدًا للانطلاق بمرحلة جديدة من تاريخ لبنان تكون نقيض المرحلة السابقة التي لم تأت على اللبنانيين إلاّ بالمآسي والانهيارات والنكبات والحروب".
وأضاف: "من جهةٍ ثانية، وبما يتعلّق بالملف الرئاسي، نعتبر أن تاريخ 9 كانون الثاني يجب ان يكون التاريخ الحاسم لإتمام الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس للجمهورية ملتزم بتطبيق الدستور وتنفيذ البنود الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار، وقيادة الإصلاحات المطلوبة للخروج من الأزمة المؤسساتية، المالية والاقتصادية والشروع في بناء دولة القانون والمؤسسات واستعادة سيادتها على كامل أراضيها. ولهذا الهدف، سنكثف الجهود والاتصالات مع كافة الكتل النيابية في محاولة للتفاهم حول مرشح يحظى بتأييد واسع مع التمسك بالمواصفات المطلوبة لمرحلة بناء الدولة التي نؤمن بها".
وانصبت معظم التصريحات للمشاركين في اللقاء بعد انتهائه على التأكيد على فحوى البيان، فيما أحجم هؤلاء عن طرح أي أسماء مرشحة لرئاسة الجمهوريّة، على اعتبار أنّها نقاشات داخليّة لم تُحسم بعد.لا عودة إلى الوراءوعن الاتصالات واللقاءات الّتي من المُزمع إجراؤها في المرحلة المقبلة، وتحديدًا لإيجاد صيغة لانتخاب رئيس للجمهوريّة في الجلسة الّتي حُدّدت بتاريخ 9 كانون الثاني، يشرح المصدر أن "التواصل مفتوح، واللقاءات كذلك مفتوحة، ونعمل على لقاء مختلف القوى". أما بالنسبة للتواصل مع حزب الله، فـ "هو غير مباشر، ويتم من خلال جهات مثل اللقاء الديمقراطي أو رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث تعرف كل الأطراف مواقف بعضها البعض. دخلنا في مرحلة جديدة لا تتحمل الإهمال، ونتمنى أن يكون هناك تجاوب بين القوى المختلفة، خصوصاً في ملف انتخاب الرئيس. لا يمكننا الجزم بنتائج هذه الاجتماعات، ولكن ما نسعى إليه هو تحقيق الأهداف التي وضعناها من خلال السقف السّياسيّ الذي حددناه وطبيعة المرحلة التي نسعى للوصول إليها".
هل هناك تفاؤل؟ تسأل "المدن"."في السياسة لا يمكن الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم، الأمور تعتمد على المعطيات المتاحة وكيفية استغلالها. لا شك أن لبنان دخل مرحلة جديدة، ويجب ترجمتها إلى واقع سياسي جديد حتى لا نبقى في نفس الوضع السابق، فنحن نريد دولة حقيقية وفعالة، وهذه الدولة تتطلب مواصفات وأجندة واضحة، تتضمن الالتزام بالدستور والقرارات الدولية. ولا عودة إلى الوراء، أي ما قبل الحرب الموسعة أو ما قبل الثامن من تشرين الأوّل 2023". يقول المصدر.
يُذكر أن البيان الختاميّ للقاء، لاقى استنكارًا في صفوف بعض النواب، حيث صرّح عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم، قائلًا "آسف لما صدر عن قوى ما يسمى بالمعارضة في مقاربتها لاتفاق وقف اطلاق النار ودور الجيش الوطني وكأن المطلوب إعفاء العدو الصهيوني من إرتكاباته وممارساته العدوانيّة لخرقه وقف إطلاق النار وقضمه أجزاء من الأراضي اللبنانية واعتدائه حتّى على حرمة الأموات، فأية سيادة تتحدثون عنها وباسمها". وقال :"معيب أن تصل الأمور إلى هذا الدرك فبدل إدانة العدو وممارساته، اذ بصوت هذه القوى تبرّر الاعتداءات وما همّ لها إلّا إرضاء الخارج مهما كانت نتائج هذه السّياسة ومعها أصبح الصمت أبلغ".جبهات معارِضة؟من جهةٍ أخرى، تشرح النائبة بولا يعقوبيان لـ"المدن"، سبب عدم مشاركتهم، كنوّاب تغييرين بهذا اللقاء، الذي وصفته المصادر المطلعة بالمفتوح لكافة القوى المعارضة، بالقول: "دعونا إلى اللقاء الأول في معراب، وسألنا عن الأجندة ولكن لم تكن هناك تفاصيل واضحة، وكأن الموضوع لم يكن محددًا أو مفهومًا. المهم أننا اعتذرنا عن اللقاء منذ ذلك الحين، ولم يُدعونا مرة أخرى، ولهم الحق في ذلك. ولكن كيف يمكننا التنسيق إذا لم يُشركونا؟ وفي المقابل، تتركز الحملات علينا بشكلٍّ يوميّ وفي كل الأوقات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. فلماذا الحملات ولماذا يُقابلوننا بهذا الشكل؟ عليهم أن يجيبوا، وليس نحن".
ورداً على سؤال تقول"أما بخصوص مشاركة نواب تغييرين باللقاء من دون التنسيق معنا، فهم متمركزون هناك وليسوا معنا، بينما نحن الستة الذين نعمل معًا، بقينا ثابتين على موقفنا "كلن يعني كلن"، مهما تغيّرت الظروف".
وفي سؤالنا عما إذ كان فحوى البيان الختاميّ للجنة متابعة المعارضة، يتلاقى مع مطالبهم، تجيب يعقوبيان بالقول: "نستنكر الخروقات الإسرائيلية بالطبع، ونرغب في تثبيت وقف إطلاق النار، فنحن نرى الوضع في البلد اليوم، ونحتاج إلى الاستقرار والأمن. لبنان يحتاج حقًا لفترةٍ يلتقط فيها أنفاسه، ويعود الناس إلى منازلهم وحياتهم. لبنان بحاجة إلى وقف إطلاق النار، هذا أمر لا يحتاج إلى كلام. وفي نفس الوقت، على حزب الله أن ينتبه وأن يعد ليس للعشرة، بل للألف، قبل أن يطلق الصواريخ أو يعيد البلد إلى وضع لا يحتمله. نحن لا نتوقف عن المبادرة ومحاولة الحديث وفتح حوار وقنوات مع الجميع. الآن، هناك البعض يريد منا أن نتصرف وفقًا لأجندتهم ونتبع خطواتهم، وهذا الأمر لن نقوم به، لكننا ما زلنا ننسق ونعمل على القطعة مع مختلف الكتل الموجودة. كنا أول فريق بعد الانتخابات النيابية بادر بمبادرة رئاسية، وذهبنا للتواصل مع جميع الأطراف السياسية، ووضعنا من رصيدنا لأن الناس كانت تتساءل ماذا نفعل ولماذا نرى هذا التواصل مع الأحزاب السياسية".
وختمت بالقول: "وجود رئيس هو أقل ضررًا بكثير من الفراغ، ونسمع أصواتًا تقول لا تجلبوا رئيسًا الآن وانتظروا بعض الظروف أكثر، فما هذه الظروف التي يجب أن ننتظرها؟ إن من يراهن على انقلابات كاملة وشاملة، ويفكر أنه يمكن أن يأتي برئيس في تلك اللحظة، أعتقد أنه يخسر الكثير من موقع الرئاسة ومكانتها، ويهدر وقتًا ثمينًا يحتاجه البلد لدفع العملية الإصلاحية".