من طرابلس الفيحاء، المدينة التي عرفت المجد وتجاوزت المحن، تتجه الأنظار اليوم إلى استكمال استحقاق محلي يحمل في طياته الكثير من الأمل… والقلق.
فانتخابات المجلس البلدي الجديد، ليس مجرد صندوق إقتراع يُفتح ويُغلق، بل هو نافذة نحو مستقبل المدينة، فرصة لإعادة الاعتبار إلى مفهوم العمل العام، بعدما شوهته الحسابات الضيقة، والصراعات على النفوذ، وتهافت البعض على المناصب لا من أجل الخدمة، بل من أجل التسلط والوجاهة.
ففي زمن تتكاثر فيه التحديات وتتفاقم فيه الأزمات، يبقى العمل العام واحدًا من أرقى أشكال الإلتزام تجاه المجتمع، وأسمى وجوه المواطنة الفاعلة.
فهو ليس مجرد سعي إلى موقع أو منصب، بل هو رسالة ومسؤولية، تتطلب وعيًا، وتجردًا، ورؤية واضحة نحو العمران والخير العام.
وهو لا يُقاس بعدد المقاعد ولا بحجم النفوذ، بل يُقاس بتأثيره في حياة الناس، وبقدرته على خدمة المواطن، وبمساهمته في بناء مجتمع أكثر عدلًا وتكافؤا وتنمية.
إن من يتقدم لتحمّل هذه الأمانة، عليه أن يضع نصب عينيه سؤالًا جوهريًا: ماذا سأُقدّم؟ لا، ماذا سأكسب؟، فالمبادرات لا تنجح، ولا تُنهض المجتمعات إلا حين تكون هناك رؤية واضحة للمستقبل، نحدد فيها ماذا نريد لمدينتنا؟ وكيف ننهض بخدماتها، ببيئتها، بشبابها، بثقافتها؟
إن الرؤية هي أول حجر في طريق التنمية، تليها خطط عملية، شفافة، قابلة للتنفيذ والمحاسبة.
والرؤية وحدها لا تكفي. لأن العمل العام بحاجة إلى تعاون بين نسيج الجميع وفاعلياته الروحية والسياسية، والنقابية والمجتمعية، والقطاعات الخاصة والأهلية.
وهو تضامن لا يُبنى على المصالح الفردية، بل على الشراكة الحقيقية في العمران والإنماء، وعلى احترام الكفاءات لا الولاءات.
أما إذا تحول العمل العام إلى ساحة صراع على المناصب والنفوذ، يُفرَّغ من معناه، وتُشوَّه أهدافه. فالمناصب زائلة، لكن الأثر الحقيقي باقٍ. وكم من وجوه ارتفعت إلى مواقع عليا ثم سقطت لأنها نسيت أن المنصب تكليف لا تشريف، ومسؤولية لا غنيمة.
في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ مدينتنا، نحن بحاجة إلى من يبني لا من يهدم، من يوحّد لا من يفرّق، من يقدّم لا من يطلب. والمجتمعات يا سادة، لا تُبنى بالشعارات، بل بالإخلاص والتجرد، وبالعمل اليومي الصامت الذي لا يبحث عن الكاميرات، بل عن النتائج.
إن العمل العام ليس ساحة تنافس عبثي، بل هو منبر لخدمة الإنسان وكرامته، ومسارٌ من التضحية لأجل الصالح العام.
فليكن من يتصدى لهذه المهمة، مؤمنًا أنه مسؤول أمام الله والناس والتاريخ والضمير، لا أمام الجهات الداعمة أو المرجعيات المؤثرة والفاعلة.
The post بلدية طرابلس.. بحاجة لرؤية وعمل وتضامن بين نسيج المجتمع!.. بقلم: د. عبدالرزاق القرحاني appeared first on .