في مقابلة له أمس على محطة “إم. تي. في”، عبّر رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل عن هواجس تنتابه وتنتاب تيّاره وآخرين، في الأوساط المسيحية خاصة وقسم من اللبنانيين عامة، من عودة “السين سين” وتلزيم لبنان مرة جديدة إلى سورية وبرعاية سعودية.
قبل عقدين من الزمن، وتحديداً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من العام 2005، شهد لبنان إنقساماً سياسياً حاداً لم يعرفه منذ نهاية الحرب الأهلية فيه عام 1990، وتوتراً أمنياً كاد البلد ينزلق معه نحو المجهول، ما دفع رئيس مجلس النوّاب نبيه بري حينها إلى رفعه شعار “السين سين”، في إشارة منه إلى ضرورة تفاهم كلاً من سورية والسّعودية لتجنيب لبنان مزيداً من الخضّات والإنقسامات.
وفعلاً فقد أدى تقارب دمشق والرياض حينها الى استقرار لبنان سياسياً برعاية من البلدين، بعدما زار العاهل السّعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز دمشق في 8 تشرين الأول من عام 2009، وهي زيارة مهّدت لذهاب رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري إلى العاصمة السّورية لأول مرّة في 19 كانون الأول 2009، ولقائه الرئيس السّوري السّابق بشّار الأسد، قبل أن تكتمل تسوية “السين سين” فصولاً بزيارة عبد الله والأسد بيروت معاً في 29 تموز عام 2010 لترسيخ وتثبيت التسوية التي تمّ التوصل إليها.
لكنّ تلك التسوية سقطت عملياً مع بدء الحرب في سورية ربيع العام 2011، وسقوط حكومة الحريري مطلع ذلك العام، قبل أن يعود في الآونة الأخيرة الحديث عن مساعي لإحياء “السين سين” بصيغة مغايرة هذه المرّة، برغم التحوّلات الهائلة التي شهدها لبنان والمنطقة منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وطرح ذلك تساؤلات حول إنْ كانت هذه الدعوات لإحياء “السين سين” جدّيّة أم أمنيات أم مجرد مناورات سياسية.
ما أثار تلك التساؤلات التي لم تنبع من فراغ الموقف الذي أدلى به الموفد الأميركي إلى لبنان توم برّاك، وحذّر فيه من أنّ لبنان مهدّد بإعادة “ضمّه إلى الشّام” إذا لم يتمكن من معالجة الملفات والمشاكل التي يعاني منها، فضلاً عن تسريبات عدّة تحدثت عن بعض المداولات المشابهة التي جرت في دول معنية بالملف اللبناني.
هذه التطوّرات والمواقف المتلاحقة دفعت باسيل، يوم أمس، إلى الإعلان بوضوح عن هواجسه، عندما قال بأنّه طلب من الموفد السعودي يزيد بن فرحان، في اللقاء الأخير معه، بأن لا تكون العلاقة معنا عبر سورية. مضيفاً: “أنا خائف على كلّ اللبنانيين ممّا يحصل في سورية وليس فقط على المسيحيين، وشاهدنا الإحتقان في لبنان بعد أحداث السويداء”.
ومع أنّ هذه الهواجس لدى باسيل والأوساط المسيحية وغيرها، تبدو مبرّرة للبعض، وينظر إليها على أنّها طبيعية إستناداً إلى تجارب سابقة في العلاقة بين لبنان وسورية، فإنّ الأوضاع العامّة في سورية اليوم لا تشير إلى أنّ هناك نيّة لدى دمشق في تكرار نظامها الجديد تجربة التدخل في لبنان كما حصل أيّام النظام السابق، عدا عن عدم قدرته على ذلك، فضلاً عن إنشغاله بترتيب أوضاعه الداخلية التي تجعله غير قادر على الإنشغال بأيّ ملفات أخرى خارجية، سواء في لبنان أو غيره.
موقع سفير الشمال الإلكتروني