بعد تأخير لأسباب مختلفة أغلبها غير مبرّر أطلقت الحكومة اللبنانية، أمس، بالتعاون مع المفوضية السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، برنامج “العودة الطوعية” لدعم السّوريين المتواجدين في لبنان الذين قرّروا العودة طوعاً إلى بلادهم.

وبرغم هذا التأخير في إطلاقها فإنّ الخطوة الأولى من خطّة عودة النّازحين السوريين كانت خجولة جدّاً، فقد اقتصر الأمر على 71 نازحاً أقلتهم 3 حافلات وثلاث شاحنات، غادروا لبنان عبر معبر المصنع الحدودي بين البلدين بالتنسيق بين المديرية العامّة للأمن العام والسّلطات السّورية.

ففي شهر حزيران الماضي أعلنت الجهات الرسمية اللبنانية عن إطلاقها مبادرة لتسهيل عودة النّازحين السّوريين إلى بلادهم، تقوم على إلغاء كلّ الغرامات والعقوبات على أيّ نازح سوري مقيم في لبنان بشكل غير شرعي، شرط أن يغادر لبنان خلال ثلاثة أشهر تمتد من مطلع شهر تموز الجاري وحتى نهاية شهر أيلول المقبل.

غير أنّه وبعد مرور شهر على إطلاق هذه المبادرة فإنّ أرقام النّازحين السّوريين الذين عادوا إلى بلادهم كانت قليلة مقارنة بالتوقعات التي أُطلقت، وبرغم ذلك فإنّ توقعات قد أطلقها مسؤولون لبنانيون تزامناً مع إطلاق “برنامج العودة الطوعية” أمس، أفادت بأنّه “إبتداءً من مطلع العام المقبل، 2026، لن يبقى أيّ سوري في لبنان بصفة نازح”، أيّ أنّ قرابة مليون و400 ألف نازح مُسجلين على لوائح مفوضة اللاجئين سيغادرون لبنان نهائياً.

لكنّ هذه الآمال تبقى، لأسباب كثيرة، مُعلّقة في الهواء وغير مرتبطة بالواقع، ذلك أنّه منذ سقوط نظام الرئيس السّوري السّابق بشّار الأسد في 8 كانون الأوّل 2028، لم يعد أكثر من 200 ألف نازح سوري إلى بلادهم، وفق أرقام المفوضية، وهو رقم لا يترجم الآمال التي عقدها كثيرون بعد سقوط النظام السابق على عودة أكثر من مليوني نازح سوري إلى بلادهم.

أسباب عديدة تجعل عودة النّازحين السّوريين إلى بلادهم غير ممكنة، وأنها ستتحقق نهاية هذا العام، أو حتى في العام المقبل على أقل تقدير، من أبرزها عدم وجود بيوت تأوي النّازحين الراغبين بالعودة نتيجة الدمار الكبير الذي أصاب مناطق واسعة في سورية بفعل الحرب التي شهدتها البلاد منذ مطلع العام 2011، وعدم الإستقرار الأمني هناك حتى الآن في مناطق مختلفة، وعدم تقديم أيّ مساعدات للنازحين في سورية من شأنها أن تغريهم بالعودة، عدا عن الإنهيار الكبير الذي أصاب الإقتصاد السوري بفعل الحرب ما جعل فرص العمل قليلة والمداخيل لا تلبي الإحتياجات الأساسية للعائدين.

وما يجعل توقعات مغادرة النّازحين السّوريين لبنان أواخر العام الجاري، كما توقع مسؤولون لبنانيون، أنّه بموازاة مغادرة قرابة 200 ألف نازح لبنان منذ سقوط النظام السّابق، فإنّ نازحين آخرين أتوا إلى لبنان بعد سقوط النظام، أغلبهم من أنصاره، وهؤلاء غير مسجلين على لوائح أيّ جهة لبنانية أو دولية، إضافة إلى دخول عدد آخر من النّازحين السوريين إلى لبنان بعد أحداث السّاحل السّوري ربيع هذا العام، وأحداث أخرى متفرقة لعلّ أبرزها مؤخراً أحداث محافظة السّويداء.

ما سبق يترك إنطباعاً أنّ مقاربة السّلطات اللبنانية لملف عوة النّازحين السوريين إلى بلادهم ما تزال ضعيفة وغير عملية، ولا يتوقع منها الكثير، لأسباب عدّة بعضها متعلق بالسّلطات اللبنانية ذاتها، وأخرى بالسّلطات السّورية الجديدة، إضافة إلى عامل آخر هو دور المنظمات الدولية على رأسها مفوضية شؤون اللاجئين التي كانت تجاربها وطبيعة عملها طيلة السنوات الماضية لا تعطي إنطباعاً أنّها تعمل لتسهيل عودة النّازحين، لا بل ربما كان الإنطباع أكثر الأحيان معاكساً.