طُويت صفحة الإنتخابات البلديّة والإختياريّة التي جرت مرحلتها الثانية في محافظتي الشّمال وعكّار، في 11 أيّار الجاري، وبدأت منذ صدور النتائج القراءات التحليلية لها، ومحاولة إستقراء مدى تأثيرها وإسقاط ما أفرزته صناديق الإقتراع فيها على استحقاق الإنتخابات النيابيّة المقبل العام المقبل.
ومع أنّ لكلّ إنتخابات، بلديّة كانت أم نيابيّة، خصوصية وظروف معينة مختلفة عن الأخرى، شكلاً ومضموناً، فإنّ هناك نقاط مشتركة كثيرة بينهما، وأكثر من تقاطع، ما يجعل إمكانية الفصل بينهما فصلاً تامّاً أمراً متعذّراً وغير موضوعي، قياساً بما حصل على الأرض، وانطلاقاً ممّا شهدته الإنتخابات المحليّة من تنافس إختلطت به العوامل العائلية بالسّياسية والحزبية والطائفية والمذهبية.
في طرابلس كشفت النتائج عن إنقسام عمودي بين لائحتين، الأولى “رؤية طرابلس” المدعومة من الرباعي النيابي فيصل كرامي وأشرف ريفي وطه ناجي وكريم كبارة، والثانية “نسيج طرابلس” المدعومة من النائب إيهاب مطر والجماعة الإسلامية والمجتمع المدني، وهي نتائج أثارت مخاوف من إنقسام المجلس البلدي المقبل لعاصمة الشّمال على نفسه معيداً بذلك تكرار تجربة المجلس البلدي السّابق طيلة السّنوات التسع الماضية التي تركت آثاراً سلبية واسعة في المدينة، إلى جانب خيبة الأمل الكبيرة من عدم تمثيل الأقلية المسيحية وعنصر المرأة في البلدية.
وإذا كان البعض قرأ في هذه النتائج على أنها مُقدمة لنتائج مماثلة في الإنتخابات النيابيّة المقبلة، فإنّ حسم ذلك ينتظر قرار تيّاري المستقبل والعزم في خوض الإستحقاق النيابي المقبل بعد عزوفهما عن خوض الإستحقاق البلدي، لأنّه في ضوء حسمهما هذا القرار، مشاركة أو عزوفاً، يمكن إستشراف معالم الإستحقاق النيابي المقبل نظراً للوزن الكبير للتيّارين وتأثيرهما الشعبي الواسع في عاصمة الشمال.
أمّا في زغرتا، فقد كشفت نتائج الإنتخابات البلديّة تجذّر شعبية تيّار المردة فيها، سواء في المدينة أو بلدات القضاء وقراه، وهي نتائج أظهرت الثقل السّياسي والشّعبي المؤثّر للمردة وآل فرنجية في المنطقة.
وفي الضنّية، أوضحت النتائج تجذّر وتماسك القاعدة السّياسية والشّعبية للنائب جهاد الصّمد في بلدته بخعون، كبرى بلدات المنطقة، بعدما فازت اللائحة التي يدعمها بلدياً واختيارياً بالكامل، وذلك للمرّة الخامسة على التوالي منذ انتخابات عام 1998، الأمر الذي أعطاه دفعة معنوية كبيرة قبل الإستحقاق النيابي المقبل، مقابل خسارة اللائحة التي دعمها النائب عبد العزيز الصمد والنائب السّابق قاسم عبد العزيز. أمّا في بلدتي سير والسّفيرة فقد استعاد النائبان السّابقان أحمد فتفت في الأولى وأسعد هرموش في الثانية ثقتهما بعد فوز اللائحتين المدعومتين منهما في البلدتين، وأعطاهما ذلك دفعة معنوية قبل الإنتخابات النيابية المقبلة.
وإذا كانت القوّات اللبنانية قد ثبتت أقدامها في قضاء بشري الذي يُعدّ أحد معاقلها الرئيسية، فإنّ التيّار الوطني الحرّ أكد وجوده وتماسكه في قضاء البترون متحالفاً مع تيّار المردة، فإن نتائج قضاء الكورة كشفت عن خلطة تحالفات واسعة لم يحسمها أيّ طرف، وهي مشاهد سياسية متعدّدة ستتضح أكثر في الإنتخابات النيابية المقبلة.
وكشفت إنتخابات المنية البلدية التحضير الجيد للنائب أحمد الخير الذي فازت اللائحة التي دعمها مقابل منافسيه النائبين السّابقين عثمان علم الدين وكاظم الخير والحاج كمال الخير، الأمر الذي سيعتبره دفعة معنوية له قبل استحقاق العام المقبل.
تبقى عكّار، حيث كشفت نتائج الإنتخابات المحلية فيها عن “كوكتيل” توزّع بين قدرة القوى التقليدية عن تحقيق نتائج جيدة حافظت فيها على حيثيتها وتحالفاتها السياسية والشعبية، وعن تقدم لافت لقوى التغيير الجديدة في أكثر من بلدية ومنطقة، ما عكس إزدواجية في النتائج ستنعكس لا شكّ على الإنتخابات النيابية المقبلة.
The post قراءة سياسيّة في انتخابات الشّمال.. تأثير البلديّة على النّيابيّة!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .