2024- 06 - 15   |   بحث في الموقع  
logo بهاء الحريري مهنئاً الرياضي: كل التوفيق! logo "تفحّموا داخل حافلة"... 9 قتلى في اليمن! (فيديو) logo قتيلٌ جديدٌ في صفوف الجيش الاسرائيلي! logo بمناسبة العيد... فيديو "من القلب" لـحزب الله! logo "كُرة الحرب في ملعب إسرائيل"... السيد يوضِح! logo مقدمات نشرات الاخبار logo بعبوة ناسفة... مقتل جنديين إسرائيليين! logo بقذيفة واحدة... إسرائيل خسرت 3 ملايين دولار!
في صعوبة أن يكون المرء شيوعياً لبنانياً...
2024-05-22 12:55:49

في كتابه "المتن والهامش/تمارين على الكتابة الناسوتية"، طرح الباحث الراحل حسن قبيسي أسئلة لا تزال تطن في رأسي: "ما المنهج الذي يفسر كل هذا العداء للدولة في مجتمعاتنا الحديثة ما لم يفرضها العسكر بالبطش؟ لماذا لم يؤد نشاط حزب شيوعي لبناني بعد ستين عاماً ونيف، وعشر سنوات من حرب أهلية، إلا إلى حاجز في الرميلة". يضيف قبيسي: "إننا نملك من أجل الإجابة على هذه الاسئلة معلومات ومعطيات، لكن الصعوبة المنهجية تكمن في كيفية تركيب وترتيب هذه المعطيات، لنخلص منها الى معنى ما. وبعضنا، ممن تستهوية الكلمات الكبيرة، يسمي هذه العملية إعادة كتابة للتاريخ؟ لكنها في الوقع لا تعدو كونها اعادة ترتيب. هذا الترتيب الجديد لا يغير طبيعة المعطيات اذ يغير مواضعها. جل ما يمكنه أن يفعل هو أخذها جميعا بعين الاعتبار، وإيجاد موضع لكل منها بحيث يكون للتأليف بينها دلالة ما. إن مثل هذا العمل الفكري في رأيي حرتقة لا هندسة".
كلام حسن قبيسي جاء بعد أكثر من عشر سنوات على انشقاقه عن منظمة العمل الشيوعي، العام 1973، بعدما وضعت السلاح على الطاولة استعداداً لدخول الحرب، وهو كان ماركسياً، يقول إن معرفته بالماركسية لم تكن شيئاً عندما كان ماركسياً. وإن هذه المعرفة بدأت تتوسّع نسبياً منذ أن اتضح له أنه ليس ماركسياً إلا بالمعنى المجازي، حتى إذا بلغت هذه المعرفة حداً معقولاً من التماسك، صار بوسعي أن أقول إنني لست ماركسياً على الإطلاق. كان ماركسياً من دون أن يعرف الماركسية، فلما عرفها لم يعد. لم يعد حسن قبيسي ماركسياً منذ أن عرف الماركسية، وزميله وصديقة موسى وهبة الذي كان ماركسياً وعضواً في الحزب الشيوعي، غادر الحزب والماركسية في أواخر السبعينات بعدما قرأ رواية "أرخبيل الغولاك" للكاتب السوفياتي ألكسندر سولجينتسين. هذه الرواية لمن لم يقرأها، تتحدث عن معسكرات الاعتقال في الإتحاد السوفياتي في الحقبة الممتدة ما بين العامين 1918 و1956. وكاتب الرواية كان واحداً ممن عاشوا تجربة تلك المعتقلات لمدة ثماني سنوات وخضعوا لشتى صنوف التعذيب في أقبيتها وساحاتها.سياق كلام قبيسي مجازياً ربما يختصر الكثير، وهذه المقالة ليست ضرباً من الهجاء ولا مبادرة في المديح، هي محاولة في قول شيء لن يشيل الزير من البير. لن أقول حرتقة، لأنه لا شيء لنحرتق عليه، فما قاله حسن قبيسي في عجالته كان في منتصف الثمانينات، أي قبل نحو أربعين عاماً، عندما كان الحزب الشيوعي في بعض "مجده"، إنما كان يعيش طريق انكساراته وخيباته وخسارته ورهاناته الفاشلة وتحالفاته الغرائبية، كانت ملامح بوادر انهيار الأنظمة الشيوعية قد بدأت في اوروبا الشرقية. وكان الراحل كريم ما زال ينظّر للمقاومة ويكتب عنها كتباً ويمجد دورها، قبل أن يتحفنا في السنوات الأخيرة بمقولة "الاشتراكية كانت كذبة" و"أن الشيوعية انتهت"، وهو الذي أسرف الحبر الكثير في التنظير، من المقاومة الى البرويستريكا.والآن في الذكرى المئوية لولادة الحزب الشيوعي، لم يبق من الرميلة الا الذكرى... من مذكرات الياس عطالله وتهكمه على ماضيه، إلى سرديات يحيى جابر في مسرحيته؟ ولم يبق من الحزب سوى طوابق مغمورة في شارع من حي الوتوات في بيروت، وذكريات هنا وهناك. الصورة البارزة بعد انهيار الشيوعية، أظهرت أنه كان شجرة يتلهف الغلاة على أكل أثمارها، وعندما كانت الشجرة تصاب بمرض يتهربون من معالجتها. ربما صار علينا أن نفهم ناسوت الشيوعيين لنفهمهم بعد تصدعهم. لن أدخل في لعبة التاريخ، فهي طويلة ومعقدة، سواء من تشعبات تأسيس الحزب، إلى مرحلة الانجراف في لعبة ما يسمى "الطوائف الوطنية"، ومن مرحلة إهانة فرج الله الحلو بعد موقفه الوطني من مؤامرة تقسيم فلسطين أو في اغتياله، أو إبعاد رئيف خوري ورفاقة، إلى مرحلة حنا غريب. أيضاً لن أدخل لعبة توصيف الحزب الشيوعي وتحالفاته في الحرب من طرابلس إلى الجيل وميتازيقيا المقاومة.
لنقل نقطة بارزة وأساسية، إن مأزق الحزب الشيوعي من مأزق لبنان، فعدا انيهار الشيوعية في العالم، بات جلياً أن التركيبة اللبنانية الطائفية تركيبة معقدة أكثر من اللازم، منذ بداية الحرب بدأت انعكاساتها على يسارييين بارزين، فذهبوا في "مساراتهم المتعاكسة"(عنوان كتاب ثناء عطوي) ووظفوا قراءتهم السابقة وأفكارهم في أروقة طوائفهم أو بلاط زعمائهم، أو ارتضى قسم منهم البقاء في الهامش والحالة الفردية والانتاج الفكري والمعرفي، ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري 2005 وحرب تموز 2006، وحتى الحرب السورية 2011. لم تستطع الشيوعية اللبنانية أن تنجو من العصف الطائفي والإنقسام الحاد في البلد، طوال مرحلة النظام الأمني السوري اللبناني "والحريرية السياسية"، وكان الخطاب الشيوعي ضمن الايقاع المعارض مجازياً في حده المعقول، بعد الانقسام السياسي الطائفي والمحاور الحاد، كان لا مهرب ولا مفر من التصدّع المديد والانهيار والضياع. برزت حركة اليسار الديموقراطي التي لم تعمر طويلاّ، واغتيل جورج حاوي، وتقلّص جمهور الحزب الشيوعي في الانتخابات و"النقابات"، وبرزت موجة إقصاء أو انسحاب أو استقالة القيادات التاريخية في الحزب، وموجة "شيوعيين مطيفين"، إذا جاز التعبير، يقدسون الآراء والتجارب، ولم ينتج الجيل الجديد شخصيات كاريزماتية أو لها موضع، والأرجح أنّ من يمتلك كاريزما لا يذهب إلى الحزب الشيوعي وهو في حالته الواهنة، عدا عن انتهازية بعض الشيوعيين أو أصدقاء الشيوعيين، الذين يكونون شيوعيين إلى حين "يقطفون" في موقع ما، سياسي أو اجتماعي، فيتخلون عن شيوعيتهم أو انتسابهم إلى الحزب الشيوعي، ويرتدون أقنعة مدنية أو يسارية وحتى طائفية. ولم تنقذ انتفاضة 17 تشرين الحزب الشيوعي من الإرباك والتعثر. أمام كل هذه المشاهد، لماذا على المرء أن يذهب الى الحزب الشيوعي؟ لنفترض أنه مكان للتلاقي، لكن التلاقي على ماذا الآن؟ لم يعد الحزب الشيوعي حالة جماهيرية، ولم يعد مقصد الفنانين، ولم يعد صانع المثقفين والمسرحيين والشعراء والنقابيين. بالكاد نشاطه يغطي فولكلور 1 أيار، وهو أقرب ميلاً إلى التنسك. باختصار، لم يعد حزباً ينتج سياسة، لم تعد لديه خططه. مع أنه وسط هدير الطوائف لا بدّ من مساحة أو منصة يسارية تدلي بدلوها ولو حتى ثقافياً.
لست ناشطاً في السياسة ولست يمينياً أو يسارياً، لكن لا بدّ من تفعيل اليسار، لإعادة إنتاج بلد تطحنه لعبة المحاور والرهانات.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top