2024- 06 - 16   |   بحث في الموقع  
logo "ساعتان للإنقاذ"... صدمةٌ إسرائيليةٌ من "عملية رفح" logo وسائل إعلام إسرائيلية تتساءل عن حوادث الانفجارات بمدرعة "النمر" logo الجيش الإسرائيلي يُعلن عن هدنة "تكتيكيّة" جنوبي غزة logo إليكم هوية الكابتن الإسرائيلي القتيل قرب رفح مع 7 جنود آخرين logo مشاهد من عمليات حزب الله ضد قواعد الجيش الإسرائيلي logo "خطرٌ حقيقيٌ"... تحذيرٌ أمميٌ من "سوء تقدير" على الحدود الجنوبية logo لبنان ليس بأمان... الجميع يسابق الحرب! logo "تفادياً لخطر إندلاع حرائق"... بيان من الدفاع المدني
الهجرة الى أميركا:المعضلة اللاتينية
2022-10-16 07:55:56

تنفرد الهجرة اللاتينية من المكسيك وأميركا الوسطى والجنوبية الى الولايات المتحدة عن غيرها من الهجرات بمزايا تجعلها قائمة بذاتها كقضية تتقاطع فيها العوامل الإنسانية والدينية والإجتماعية والإقتصادية والعنصرية ويغلفها التاريخ بثوب من التهيؤات والمخاوف والمظالم الجمعية التي سهّلت تحويلها منذ مستهل القرن الحالي الى كرة سياسية ملتهبة يتم استثمارها انتخابيًا على مختلف المستويات من المجالس البلدية في بلدات صغيرة الى رئاسة أقوى دولة في العالم، بصرف النظر عن الحقائق والأرقام.
لأسباب تاريخية يطول شرحها توسعت الولايات المتحدة منذ ولادتها عام 1776 على حساب التاج الاسباني الذي اطاحه نابليون بونابرت عام 1807، ووجدت الولايات الاسبانية نفسها بعد فشل التجربة الإتحادية التي قادها سيمون دو بوليفار تتوزع بين دول مستقلة أكبرها المكسيك التي عانت كثيرًا من فقدان الشرعية الكيانية قبل شيوع النمط الجمهوري للحكم ومن صراعات النخب المتنازعة بشراهة على الإرث الإسباني الكبير والذي كان يضم الى جانب الحدود الحالية للدولة كل أو أجزاء كبيرة من 9 ولايات أميركية تمثل مساحتها أكثر من ثلث مساحة أميركا القارية (راجع المدن. الهجرة الى أميركا... الأزمة المستمرة).
تركت الحروب والأساليب التوسعية الأميركية وإساءة معاملة ذوي الأصول الإسبانية الذين رفضوا مغادرة الولايات التي ضمتها أميركا خصوصًا في القرن التاسع عشر وما رافقه وتبعه من غطرسة أميركية في التعاطي مع المكسيك ودول الكاريبي وأميركا الجنوبية مشاعر استياء واسعة زاد منها الفارق الشاسع في المستوى المعيشي بين تلك الدول وبين اميركا التي ينظرون اليها كحالة إغتصابية لمواردهم وأرضهم التي لا تزال ولاياتها ومدنها وشوارعها تحمل أسماء رموزهم وبعثاتهم الكنسية وعائلاتهم باللاتينية، والتي لا تزال في نظرهم حقًا لهم كونهم السبّاقين الى استعمارها والإستيطان فيها على حساب السكان الأصليين. ومع أن الهجرة المعاصرة تندرج في خانتين واضحتين هما البحث عن فرص عمل وحياة أفضل أو الهرب من أوضاع أمنية واقتصادية سيئة، بسبب السياسات الأميركية، يواجه المهاجرون الجيران تمييزًا عنصريًا فاضحًا على الرغم من حاجة السوق الأميركية لأيديهم العاملة (التي تفضل المزارع وكبرى الشركات أن تبقى غير نظامية حتى لا تكلفها الرواتب والضرائب السارية ولا تنتظم في نقابات ولا تعترض على الفصل التعسفي).
مقابل شعور اللاتينيين بالمظلومية التاريخية والغبن والأسى على ما سُلب منهم ولن يعود، يشعر الأميركيون البيض ذوو الميول العنصرية وبعض النخب المحافظة الأنكلوسكسونية الهوى أن الهجرة اللاتينية تمثل خطرًا محدقًا بمستقبل أميركا، وهم في ذلك يخلطون بعبث بين أميركا الدولة والمجتمع والتجربة التي تقدم نفسها كإستثناء باهر في التاريخ البشري وبين مصالح شريحة نافذة في هذه الدولة تريد امتيازات خاصة ولم تتخل عن أي من مغانمها الملوثة بالدم والعنف والإضطهاد والإجرام الا بالإكراه؛ من استباحة ارض وموارد السكان الأصليين الى العبودية الى الفصل العنصري الى حقوق المرأة وحقوق العمال وحقوق المهاجرين، ولا تزال تصر على الرأسمالية المتوحشة والتفوق العرقي والشوفينية الوطنية لمواصلة الحفاظ على هيمنتها على الحياة العامة.
لا تقتصر ترجمة شعور الخوف هذا على الدوائر اليمينية المتطرفة كما هو حال الفاشية الجديدة في أوروبا، ولا تنحصر في خطابات المرشحين أو النشرات الحزبية أو ادبيات الانتخابات والمحطات والبرامج الإعلامية وعظات القساوسة واللغة الملغومة عن المواطَنة والفرادة الأميركية والمدينة المضيئة على الهضبة وحقوق الولايات (وكلها تعابير مشّفرة مفادها الحفاظ على التفوق الأبيض)، بل هي في الحالة الأميركية أكثر شيوعًا بين النخب الأكاديمية والسياسية والإقتصادية والدينية التي تعمل بشكل دؤوب على إبقاء جذوة الخوف من الآخرين متقدة وتؤطر مشاعرها في سياسات يتم إقرارها على مختلف المستويات من المدن الى الولايات وصولًا الى الحكومة الفدرالية وحتى باستخدام القضاء بشكل مدروس وموجه لإطالة أمد الهيمنة، ولعل في تكرار إقرار التخفيض الضريبي للأثرياء، ورفض الضرائب على الشركات والإستثمارات المالية والأسهم، والسماح للمال غير المحدود في الحملات الانتخابية وإزالة الحماية الدستورية عن حق التصويت وعن الإجهاض أمثلة على ذلك.
تجد هذه النزعات العنصرية، وككل الحالات الشاذة التي لا يمكن منطقيًا الدفاع عنها، ذخيرتها في الفضاء الأكاديمي الوقح الذي برر وسوّغ وفذْلك العبودية والعنصرية والإستيطان والنهب واستباحة السكان الأصليين في كتب ومجلدات وندوات ودراسات قدمت كل موبقة منها كظاهرة عادية أو كحاجة منطقية أو كتطور طبيعي. هكذا أصبح العداء للمهاجرين وخصوصًا ذوي الأصول اللاتينية ركنًا ثابتًا في العلوم السياسية يعود فضل الريادة فيه الى المفكر السياسي المحافظ البارز القريب من مواقع القرار، أحد عرابي المحافظين الجدد، صموئيل هانتنغتون (1927-2008) الذي بشر بعد انتهاء الحرب الباردة بصراع الحضارات في ورقة بحثية مطولة نشرها عام 1993 وحولها الى كتاب يحمل الاسم نفسه عام 1996، ورأى فيه ان الصراع حتمي بين الحضارات السائدة في العالم والتي قسمها عشوائيًا الى كيانات ذات هوية تدمج بين الدين والثقافة، وأن على الغرب أن يستعد لذلك. أخرج هانتنغتون في نظريته تلك اسبانيا والبرتغال والدول التي نشأت من امبراطوريتهما من خانة الغرب ودق ناقوس الخطر على مستقبل أميركا من الحضارة اللاتينية.
توّجت نظرية هانتنغتون الأبحاث والدراسات الاكاديمية الكثيرة المصرة على تثبيت التفوق الأبيض والتحذير مما يواجهه، والأهم انها سلّحت الحزب الجمهوري الذي يواصل انزلاقه العنصري نحو ولايات الجنوب بشرعية أيديولوجية. شجعت الحفاوة البالغة التي قابلت تلك النظرية هانتنغتون على البناء عليها بتركيز أكثر على "الهم" اللاتيني واصدر عام 2004 كتابًا جديدًا بعنوان "من نحن؟" حذر فيه من ان الهوية الأميركية في خطر، ورفض مقولة أن "أميركا أمة من المهاجرين" مشددًا على أنها "أمة من المستوطنين" البريطانيين البروتستانت الذي أوجدوا العقيدة الأميركية القائمة على مبادئ الحرية والمساواة والفردية والحكومة التمثيلية والملكية الخاصة، مكررا التنبيه من الخطر اللاتيني المتمثل في الهجرة التي تهدد بتفتيت المجتمع الأميركي.
استند هانتنغتون في نظريته الى معطيات كثيرة تفتقر الى الصحة أو الدقة خصوصًا ما يتعلق بسلوك المهاجرين لجهة الإندماج والتعليم والعمل ليخلص الى نتيجة مفادها أن المهاجرين سيشكلون مجتمعات مستقلة داخل أميركا. هذا كلام يريده ويردده اليمين المحافظ لكن للأرقام الدقيقة والمتابعات الإحصائية الرسمية قول آخر (يتبع).


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top