عينٌ على المياه هذا العام
2022-06-10 11:27:53
مبكراً هذا العام انطلق قطار الحرائق في غابة بطرماز في عكار شمال لبنان. هذه المساحات الخضراء من مساحة لبنان تتضاءل أساساً، أكان نتيجة للوضع الاقتصادي والمالي أو لاتساع رقعة الاعمار وعدد السكان. لكن حتى النسبة القليلة مما تبقى من مساحات خضراء، وهي قُدرت قبل 7 سنوات في دراسة لعاملين في الأمم المتحدة بـ13 بالمئة، تتضاءل بشكل مضطرد نتيجة الحرائق صيفاً وعمليات قطع الأشجار شتاء من أجل تأمين التدفئة في ظل غياب الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات.
والحرائق ظاهرة لا بد أن نرى المزيد منها مع ارتفاع الحرارة والتفاقم المرتقب في الطقس المتطرف نتيجة تبدل المناخ. والأهم بين نتائجها، ليس تقلص نسبة المناطق الخضراء، وهذا ناجم بأغلبه عن السياسات الحكومية وتصدع شبكات الأمان الاجتماعي، بل شح المياه، وكل تبعاته في الزراعة والأمن الغذائي والصحة.
كان لافتاً أخيراً بيان "مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان" عن التقنين المرتقب، رغم أنها عزت ذلك للشح في مادة المازوت وغلاء الأسعار والإنقطاع المتمادي للتيار الكهربائي والأعطال المتراكمة. إلا أن البيان حذر من "النفاد التام للقدرة على التغذية بالمياه إلى حد الإنقطاع التام" وأنها "ستضطر مكرهة إلى البدء باعتماد برنامج تقنين حاد وقاس ولا سيما على المناطق الساحلية التي تتغذى بالمياه من محطات الضخ العاملة على المولدات أو الكهرباء لدى توافرها".
ولكن ماذا لو أضفنا احتمال تضاؤل منسوب الأمطار أو جفاف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة صيفاً؟ نحن في منطقة تُعاني بأسرها من أزمات مياه مستفحلة تفوق معاناة أغلب مناطق العالم، وعملياً صفارات الإنذار من شح المياه وانعكاساته باتت تنطلق من كل حدب وصوب. الكاتب في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية زفي بارئيل عنون مقاله في 20 الشهر الماضي "الصراع المقبل في الشرق الأوسط يركد في مياهها على الأرجح"، مع تفصيل الحساسيات الناشئة عن الصراع على سد النهضة بين مصر والسودان من جهة، واثيوبيا من جهة ثانية، وكذلك مشكلة العراق مع إيران وتركيا.
مصر، ولديها فائض من الطاقة، تخطط لتوسيع قدراتها في تحلية مياه البحر من خلال انشاء 14 محطة جديدة لتُضاف الى 82 قائمة حالياً. لكن للتحلية كلفة عالية لجهة الطاقة وتشغيل المحطات وصيانتها، علاوة على آثارها السلبية على الحياة البحرية والثروة السمكية نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة.
لكن العراق في أزمة تتفاقم لأسباب سياسية، نتيجة مشاريع السدود الإيرانية والتركية، ما أدى خلال سنة واحدة فحسب الى انخفاض بنسبة 60 بالمئة بمعدل المياه، وفقاً لوزير الموارد المائية العراقية مهدي رشيد. ايران وحدها عدّلت مسار أربعة أنهر كانت تصل الى العراق، من دون أن يتمكن هذا البلد من الرد بخطوات عقابية نتيجة النفوذ الإيراني على مستويات مختلفة.
من شرق سوريا الى المغرب، يُؤذي الجفاف موسم زراعة القمح، بما ينعكس على المواسم المقبلة والأمن الغذائي.
ومثل هذه الأزمات المتفاقمة نتيجة تبدل المناح، تتطلب مقاربة على المستوى العربي، بعيداً عن الخلافات الداخلية، وذلك على مستويين، الأول هو معالجة جذر المشكلة عبر تدويلها وضمان التزام أكبر بخفض الحرارة. يجب أن تكون الكتلة العربية فاعلة وناشطة باتجاه جدية أكبر بالتعاطي مع هذه الظاهرة. وثانياً، من الضروري انتهاج طريقة إدارة أكثر فاعلية للموارد المائية للحؤول دون هدرها ولاستخدامها بشكل أدق في الري وإدارة الثروة الحيوانية.
ما زالت هناك فرصة لتدارك التداعي المتواصل وللحؤول دون الانحدار باتجاه صراعات وأزمات صحية وغذائية.
وكالات