إستطاعت زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان، بين 30 تشرين الثاني الماضي و2 كانون الأوّل الجاري إرساء هدنة غير معلنة بين لبنان والعدو الإسرائيلي، أدّت لإيقاف الجانب الإسرائيلي إعتداءاته على لبنان، بشكلٍ شبه تام تقريباً، ما جعل البلد يعيش فترة هدوء أمني لم يعرفها منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول من العام 2023، وبعدها منذ التوصّل إلى قرار وقف العدوان في 27 تشرين الثاني من العام 2024.
هذه الهدنة بدت واضحة لجهة أنّ الخرق الإسرائيلي لقرار وقف العدوان إقتصر، خلال الأيّام الثلاثة لزيارة بابا الفاتيكان إلى لبنان، على تحليق للطيران الحربي المعادي ومسيّراته فوق بعض الأجواء اللبنانية، في الجنوب والبقاع، وإلقاء قنابل صوتية على بعض القرى والبلدات المتاخمة لحدود لبنان الجنوبية مع الكيان المحتل، وهي خروقات واعتداءات لم تغب عن لبنان منذ نشأة الكيان الصهيوني عام 1948.
وما لفت الأنظار في هدنة الأيّام الثلاثة لزيارة البابا أنّ مركز عمليات طوارئ الصحّة العامّة التابع لوزارة الصحّة العامّة أصدر، نهاية الشّهر الماضي، بياناً ذكر فيه حصيلة تظهر عدد الشّهداء والجرحى الذين سقطوا بسبب الإعتداءات الإسرائيلية منذ التوقيع على اتفاقية وقف الأعمال العدائية في الفترة الممتدة بين 28 / 11 / 2024، و27 / 11 / 2025، وتبيّن خلالها أنّ عدد الشّهداء الذي سقطوا خلال عام منصرم بلغ 335 شهيداً، بمعدّل شهيدٍ كلّ يومٍ تقريباً، وأنّ عدد الجرحى وصل إلى 973 جريحاً بمعدّل يقترب من سقوط 3 جرحى يومياً، عدا عن الأضرار المادية والمعنوية، ما جعل لبنان ينعم خلال الأيّام الثلاثة التي تخلّلت زيارة البابا باستقرار لم يعرفه طيلة أيّام السّنوات الثلاث الماضية منذ عملية طوفان الأقصى.
هذا الإستقرار النسبي والإستثنائي الذي فرضه زيارة البابا إلى لبنان، وكان نتيجة إتصالات واسعة وعلى مستويات عالية، خصوصاً بعد إصرار البابا على زيارة لبنان ورفضه تأجيلها لأسباب أمنية، جعل كثيرين يأملون أن تُشكّل هذه الهدنة المؤقّتة مدخلاً للتوصّل إلى إرساء هدنة تستمر طويلاً، وإحياء هدنة العام 1949 على أقلّ تقدير.
غير أنّ هذه الآمال لم تستند إلى أيّ معلومات عن ضغوطات جدّيّة مورست على العدو الإسرائيلي لإجباره على إطالة أمد الهدنة، وبقيت مجرد أمنيات تنتظر أنْ تتحقق فعلياً على أرض الواقع في الأيّام المقبلة، ذلك أنّ العدو الإسرائيلي لم ينتظر إلا دقائق قليلة بعد مغادرة طائرة البابا مطار بيروت، ظهر يوم أمس، لتقوم بعدها طائراته ومسيّراته المعادية بالتحليق على علوٍ منخفض، لأوّل مرّة منذ ثلاثة أيّام، فوق أجواء الضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت وفوق أجواء إقليم الخروب وعدد من بلدات الشوف، عدا عن تحليقه فوق مناطق الجنوب والبقاع.
وما زاد من المخاوف في أن تكون الهدنة التي رافقت زيارة البابا قد انتهت، وأن التهديدات التي وصلت إلى لبنان خلال الفترة الأخيرة، مباشرة أو بالواسطة، بأنّ العدو الإسرائيلي لن يتوقف عن قيامه باعتداءات ضد لبنان قبل انتهاء الجيش اللبناني من مهمة نزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية، وبأنّ الولايات المتحدة الأميركية قد أعطت لبنان ـ وفق تسريبات ـ مهلة أخيرة في هذا الصدد تنتهي نهاية الشّهر الجاري، وإلّا فإنّ إسرائيل ستتكفل بهذه المهمة.
فهل انتهت مفاعيل زيارة البابا التي أرست هدنة مؤقّتة مع العدو الإسرائيلي، أم يمكن تجديدها ولو بصيغ أخرى، وهل أنّ لبنان مقبلٌ على أيّام صعبة وخطيرة في المرحلة المقبلة، وكيف ستكون ردود الفعل إذا ما قامت إسرائيل بعدوان واسع عليه، وما هي تداعياته؟
The post هل تستمر هدنة البابا أم تسقط؟.. عبدالكافي الصمد appeared first on .