مع انتشار صورة الزينة الميلادية في وسط بيروت، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات متباينة، فالبعض اعتبر أن الزينة لا توحي بعيد الميلاد، فيما ذهب آخرون إلى التساؤل عمّا إذا كانت أقرب إلى زينة رمضانية منها إلى أجواء العيد، ومنهم من اعتبر انها قبيحة بالمطلق.
وفي مقابل موجة الاعتراض، رأى فريق آخر أن ما عُرض هو عمل فنّي ضخم يقوم على أسلوب الـ أرابيسك، بينما عبّر كثيرون عن إعجابهم بالألوان المتلألئة والتنسيق الباهر.
غير أنّ الخوري رائد طنوس قدّم مقاربة مختلفة، وضع فيها النقاش في سياقه الصحيح. فالفن، كما قال ل، له لغته وأصوله، وليس كل انحناءة زخرفية هلالًا، ولا كل شكل دائري مسبحة.
ويضيف: في مجتمع يتنفس من خلال ثقافات متداخلة، قد تخرج الزينة عن مخيلتنا المحلية، فنظنها دخيلة، فيما هي في الحقيقة جزء من تراث كاثوليكي أوروبي يعود إلى أكثر من 350 عاماً. فالزينة المستخدمة في وسط بيروت تشبه تمامًا أسلوب Luminarie الإيطالي المرتبط تاريخياً بالاحتفالات الكاثوليكية في مدن الجنوب الإيطالي. هذا الفن لا ينتمي إلى الزخارف الإسلامية ولا إلى الخطوط السريانية ولا إلى هوية المشرق المسيحي. إنه عالم آخر منبثق من الباروك والروكوكو، حيث المبالغة محبّبة، والانحناءات والتموجات جزء من الحكاية، والضوء يُستخدم كأن الكنيسة تحاول أن “تُنزِل السماء إلى الأرض” عبر زينة مبهرة.
وتكشف التفاصيل عن أصل هذا الفن: الخيوط الضوئية المتشابكة، الزهرات المنقّطة بالنور، القناطر المتراكبة، الفصوص الحمراء والخضراء ذات الطابع الاحتفالي الكاثوليكي، والإيقاع البصري المتكرر الذي يملأ الفضاء بلا فراغات. هذه سمات باروكية إيطالية واضحة، شائعة في مدن مثل ليتشه، سكورّانو، بوليا، نابولي وصقلية.
وللتوضيح اكثر انها:
ليس فنًا إسلاميًا: فهو يخلو من الخط العربي والهلاليات والزخارف الهندسية.
ليس فنًا شرقيًا–سريانيًا: إذ لا يحمل الصليب السرياني ولا الرموز المشرقية.
ولا هو فن لبناني تراثي: لا علاقة له بالأحجار المنحوتة ولا بالنقوش المحلية التي نعرفها.
الخلاصة أنّ القضية لم تكن سجالاً “مسيحي–مسلم”، بل مجرّد سوء قراءة بصرية. فالعين المتوترة دينياً ترى تهديداً في أبسط التفاصيل… حتى في سلك كهربائي مضيء.
بيروت، وهي تستعد لزيارة البابا بزينة مستوحاة من تراث جنوب إيطاليا، تريد ان تقول رغم جراحها: “أريد أن ألمع قليلاً”.
يبقى ان الفن لا طائفة له. الفن محاولة للقول إن في هذا الوطن بقايا نفس، وإن الجمال يمكن أن يكون جسراً لا جداراً، فحبذا لو انتقل النقاش من سؤال “هذه الزينة تشبه مَن؟” إلى سؤال “ما أصل هذا الفن؟ وبذلك ينفتح الباب واسعاً على المعرفة بدل الخوف، وعلى فهم العالم بدل الانغلاق عنه.
موقع سفير الشمال الإلكتروني