أفرزت الانتخابات العراقية الأخيرة توازنًا سياسيًا جديدًا، تزامن مع تحوّل إقليمي غير مسبوق بعد سقوط النظام السوري وصعود أحمد الشرع إلى السلطة في دمشق والضربة القاسية التي تلقتها طهران. هذا التوازي بين التحوّل الداخلي في بغداد والمتغير الإقليمي أعاد وضع السُنّة في قلب المشهد، بعد عقدين من التراجع وتآكل العمق الاستراتيجي.
السُنّة في أقوى موقع تفاوضي منذ 2003
أظهرت نتائج الانتخابات أن القوى السنية، رغم تباينها، خرجت بتمثيل رقمي مؤثر يجعلها عنصرًا حاسمًا في تشكيل الحكومة. فلا الإطار التنسيقي الشيعي يمتلك القدرة على الحسم من دونهم، ولا القوى الكردية قادرة على فرض مرشح لرئاسة الوزراء بمعزل عن مشاركتهم.
هذا الموقع التفاوضي غير المسبوق يتيح للسُنّة:
• ترجيح كفّة مرشح شيعي على آخر.
• فرض شروط واضحة على شكل الحكومة وبرنامجها.
• استخدام “فيتو سنّي” حقيقي على الأسماء الخلافية.
وقد تعزز هذا الدور نتيجة سقوط المحور الإقليمي الذي كان يمنح بغداد – طهران – دمشق قدرة أكبر على ضبط التوازنات الداخلية.
عمق سنّي جديد يعيد رسم المشهد
للمرة الأولى منذ 20 عامًا، يحصل السُنّة العراقيون على عمق إقليمي متماسك. فصعود الشرع أنهى القطيعة بين الساحتين السورية والعراقية، وخلق فضاءً سياسيًا واجتماعيًا يمتد من الأنبار إلى دير الزور والموصل.
إلى جانب ذلك، فإن العودة العربية التدريجية إلى العراق، وتقاطعات المصالح بين دمشق وأنقرة والرياض، تمنح السُنّة ظهرًا إقليميًا يدعم موقعهم التفاوضي داخل بغداد ويعيد التوازن مع المكونات الأخرى.
تركيا… اللاعب الحاضر بقوة
ترافقت نتائج الانتخابات مع مرحلة جديدة في المقاربة التركية تجاه غرب العراق وشماله. فأنقرة ترى في الواقع المستجد فرصة لـ :
• دعم تمثيل سنّي مستقر.
• تعزيز التعاون الأمني الحدودي.
• توسيع حضورها الاقتصادي عبر مشاريع كـ طريق التنمية.
كما أن العلاقة بين أنقرة ودمشق بعد صعود الشرع توفر لتركيا مساحة مناورة أوسع، ما يرفع من وزنها في الأنبار والموصل ويجعل تأثيرها أكثر مباشرة.
رئاسة الوزراء… الفيتو السنّي جزء من المعادلة
من أبرز نتائج الانتخابات أنّ السُنّة باتوا قادرين على التأثير المباشر في اختيار رئيس الوزراء. فالمرشحون الذين يثيرون حساسية داخل المكوّن السُنّي، وعلى رأسهم نوري المالكي، أصبحوا خارج دائرة القبول.
المطلوب اليوم شخصية توافقية غير صدامية، مقبولة عربيًا وخليجيًا وتركياً، وتستوعب التحولات الجديدة بين بغداد والعرب خصوصًا دمشق. وهكذا لم يعد الفيتو السنّي رأيًا سياسيًا، بل شرطًا بنيويًا في عملية تشكيل السلطة.
المناطق السنّية… من الهامش إلى محور الاقتصاد
تستعد المناطق السُنّية للعب دور اقتصادي محوري بفضل مشاريع استراتيجية مثل:
• طريق التنمية الرابط بالخليج وتركيا.
• إعادة إعمار الموصل والأنبار.
• ضبط الحدود مع سوريا بعد تغيّر السلطة فيها.
هذا التحوّل يضيف وزنًا اقتصاديًا إلى الصعود السياسي، ويعيد للمناطق السُنّية دورًا طالما غاب عن المشهد.
إذًا، تكشف الانتخابات الأخيرة عن انتقال السُنّة من موقع المكوّن المبعثر إلى لاعب مركزي في السياسة العراقية.
فهي ليست مجرد حكومة جديدة… بل مرحلة جديدة للسُنّة في العراق، عنوانها إعادة التوازن استنادًا إلى زلزال إقليمي أعاد رسم قواعد اللعبة.
The post بعد زلزال المحور.. أي دور ينتظر السُنّة في العراق؟.. بقلم: د. عاصم عبد الرحمن appeared first on .