في قلب خان العسكر، بين الحجر العتيق ورائحة التاريخ، انطلقت فعاليات “درب المماليك: من القاهرة إلى طرابلس”، بتنظيم من مؤسسة طرابلس القديمة وبالتعاون مع مبادرة سيرة القاهرة، وبحضور وزير الثقافة غسان سلامة وفاعليات ثقافية سياسية وفنية من المدينة والجوار.

الحدث كان استعادة لذاكرةٍ كانت على وشك النسيان، ووصلًا روحيًّا بين مدينتين كتبتا فصولًا متشابهة في الجمال والعمران والعلم والتجارة.

قال الدكتور عبد الحميد كريمة، رئيس بلدية طرابلس، في كلمته:

“نحن لا نُرمم حجارة بل نُعيد بناء هوية. دور البلدية ليس إدارةً يومية فحسب، بل حراسة لذاكرة المدينة وصون لكرامتها التاريخية.”

وأكد أنّ إحياء الخانات والأسواق القديمة يشكّل رافعة ثقافية واقتصادية تضع طرابلس مجددًا على خريطة المدن العربية النابضة بالحياة، مشددًا على أهمية التعاون بين المؤسسات المحلية والدولية لحماية إرث المدينة.

الوزير غسان سلامة، الذي لطالما حمل همّ الثقافة اللبنانية، استُقبل في خان العسكر بتقديرٍ كبير، وتسلم من البلدية درع “مفتاح مدينة طرابلس” تقديرًا لجهوده في دعم الإرث الثقافي ومبادرته الرائدة “الإرث الثقافي” التي أعادت للمدينة مكانتها في الوعي العام.

وفي أروقة الخان، عُرض فيلم “قصة مدينة”، الذي حمل المشاهدين في رحلة بصرية بين أسواق طرابلس القديمة، مآذنها، وأبوابها التي لا تزال تُخبر الحكاية لمن يصغي.

طرابلس… حين يُروى التاريخ بعين الفنّ

تحفة وثائقية خرافية قدّمها رئيس مؤسسة طرابلس القديمة، في عملٍ فرديّ يليق بتاريخ المدينة وعراقتها.

الفيلم يأخذنا من العصور الفينيقية حتى اليوم، مرورًا بكل الإمبراطوريات التي مرّت بطرابلس، عارضًا تنوّعها الثقافي والديني والاقتصادي، وصناعاتها من الورق إلى الفكر.

إخراج متقن، سرد آسر، وصورة تختصر ألف عام من الحضارة.

عملٌ يستحق كل التقدير لأنه ببساطة… جعل طرابلس تنطق بالتاريخ من جديد.

لكن اللحظة الأكثر صدقًا جاءت من امرأة خمسينية تمتمت قبل مغادرتها المكان:

“حتى نحنا ما كنا نعرف كل هالمعلومات… لازم نبلّش نحكي لولادنا.”

جملة واحدة تختصر هدف المشروع: أن نُعيد سرد حكاية المدينة من الذاكرة الحية.

التراث… رافعة اقتصادية

لم يكن الحديث في «خان العسكر» مقتصرًا على الذاكرة والحجر فحسب، فقد أكد المشاركون أن إحياء “درب المماليك” هو استثمار مستقبلي يضع المدينة على خريطة السياحة الإقليمية. فإحياء الخانات التاريخية، بحسب خبراء اقتصاديين، يفتح الباب أمام حركة تجارية حرفية تماثل ما كان قائمًا في العصور الوسطى، مما يوفر فرص عمل للشباب ويشجع على الاستثمار في قلب المدينة القديمة.

إنه مشروع يثبت أن التاريخ يمكنه أن يكون مورد اقتصادي ينتظر الاكتشاف والاستثمار.

اليوم، يتوهّج “درب المماليك” كبوابةٍ بين الحاضر والماضي، بين القاهرة وطرابلس — المدينتين التوأمين في الروح والحجر.

مشروعٌ يُعيد إحياء التاريخ و يفتح الدرب أمام المستقبل:

حيث التراث حياة، والمدينة القديمة تُبعث اليوم بالعمل نبض مستمرّ في القلب.

The post “درب المماليك”.. طرابلس تستعيد هويتها التاريخية برعاية سلامة!.. سمر قرة appeared first on .