سقف التصعيد العسكري الإسرائيلي ارتفع بوتيرة خطيرة في الأيام الأخيرة، الأجواء مستباحة للطيران الحربي والتجسسي، والميدان منتهك باستمرار العمليات العدوانية، قصفاً وتوغلات وغارات جوية ومسيّرة، على مناطق لبنانية مختلفة، خصوصاً في منطقة الجنوب، بحيث لا يخلو يوم من اعتداء او استهداف او اغتيال وسقوط شهداء وجرحى، ناهيك عن الأضرار التي يخلّفها، وتواكب ذلك تهديدات يطلقها المستويان الأمني والسياسي في إسرائيل بتصعيد واسع ضدّ لبنان. ويوازي ذلك في الداخل مشهد سياسي في أعلى درجة الإرباك والتخبّط، والتعامي الغبي من قبل مكوناته السياسية، عن الأساسيات وموجبات التحصين الداخلي في هذه اللحظة الحرجة، وتجنيد طاقاتها وإمكاناتها لاستيلاد مسببات التوتير وشحن الاصطفافات وتعميق الانقسامات، على ما هو حاصل في الملف الانتخابي الذي يتقدّم بوتيرة سريعة نحو الإشتباك الكبير حول تصويت المغتربين، بما قد يُسقط هذا الاستحقاق في هاوية الاحتمالات المجهولة.
التصعيد سيّد الموقف
أمنياً، التصعيد الإسرائيلي سيّد الموقف، وبالأمس سُجّلت مجموعة من الغارات المسيّرة، ولاسيما في الشرقية ، الدوير– منطقة النبطية، وعيتا الشعب، وسقط بنتيجتها شهداء وجرحى، ويترافق مع تهديدات إسرائيلية متكرّرة للبنان، جاء آخرها على لسان رئيس الأركان الإسرائيلي ايال زامير، الذي دعا جيشه إلى ما سمّاه «الاستعداد للمرحلة التالية»، في وقت تسود حال من الغموض في ما يتصل بإطلاق المسار التفاوضي بين لبنان وإسرائيل، والذي بات معلوماً انّ هذا الأمر يحظى بدفع أميركي قوي في اتجاهه، وخصوصاً في اتجاه المفاوضات المباشرة، التي تُحاط بانقسام داخلي حولها، بين متحمس لها، وبين قلق منها. ويبرز في هذا السياق، ما قاله مسؤول رفيع لـ«الجمهورية»، بأنّ إسرائيل من خلال تصعيدها المتمادي، لا تريد مفاوضات مع لبنان لتحقيق الأمن والاستقرار، بل تريد إخضاع لبنان، وفرض وقائع خطيرة تفرغ المنطقة الحدودية، عبر ما تسمّيها «المنطقة العازلة».
وفي سياق متصل، برز موقف لافت لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، حيث أكّد أمام زواره «أن ليس أمام لبنان إلّا خيار التفاوض. ففي السياسة هناك ثلاث أدوات للعمل، وهي الديبلوماسية والاقتصادية والحربية. فعندما لا تؤدي بنا الحرب إلى أيّ نتيجة، ما العمل؟ فنهاية كل حرب في مختلف دول العالم كانت التفاوض». وقال: «التفاوض لا يكون مع صديق او حليف بل مع عدو، ولغة التفاوض أهم من لغة الحرب التي رأينا ماذا فعلت بنا، وكذلك اللغة الديبلوماسية التي نعتمدها جميعاً، من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس الحكومة نواف سلام».
وأضاف من جهة ثانية: «إننا في سنة انتخابات نيابية، والجميع يريد ان يحقق إنجازات فيها حتى ولو كانت على حساب مصلحة الوطن. وانا اقول لبعض من يعمل في السياسة، أنتم تعملون في السياسة، بينما انا لا أعمل في السياسة بل انا رجل دولة والفرق واضح هنا، فالبعض يعتبر أنّ لبنان مُلك له ولكن أنا اعتبر نفسي ملكاً للبنان، وانتُخبت رئيساً للجمهورية وتوليت هذا الكرسي لأخدم الشعب اللبناني وليس لأُخُدم».
وأكّد «انّ الوضع جيد. فالزيارة التي سيقوم بها البابا لاوون للبنان، والمؤتمرات الدولية فيه، ما هي إلّا دليل عافية وازدهار واستقرار. فهدفنا مصلحة لبنان وإنقاذه وإعادته ليلعب دوره الأساسي على الخريطة العربية والعالمية. والمطلوب منا جميعاً تحقيق المصلحة الوطنية، وقد رأينا إلى أين ذهبت بنا الانقسامات والصراعات الداخلية التي دمّرت لبنان وإعادته إلى الوراء من دون ان يحقق أي طرف داخلي انتصارات»، وشدّد على أنّ «لدى لبنان الكثير من الفرص علينا استغلالها، والامور ليست صعبة والمسؤولية مشتركة، ويمكننا أن نصل إلى الهدف بسهولة وبسرعة عبر الخروج من الزواريب الطائفية والمذهبية التي تدمّر البلد ودمّرته من دون أي سبب».
تشجيع غربي للمفاوضات
إلى ذلك، اكّد مصدر ديبلوماسي غربي لـ«الجمهورية»، انّ «الوضع في لبنان حرج للغاية، والمطلوب هو توفير الظروف الملائمة لبلورة حل سياسي ينهي الأزمة القائمة، وكل الأطراف لا يستطيع اي منها أن ينأى عن تحمّل المسؤولية تجاه هذا الأمر، الذي نراه حاجة ومصلحة للبنان وإسرائيل».
وشدّد الديبلوماسي عينه على انّ «الضرورة باتت تحتّم استكمال بسط الدولة اللبنانية لسلطتها كاملة على أراضيها خصوصاً في جنوب لبنان، وكذلك وضع الإجراءات التنفيذية العاجلة لقرار سحب سلاح «حزب الله»، الذي يشكّل العنصر الأساس للأزمة»، لافتاً إلى أنّ «هدر الوقت يخدم عوامل التصعيد، ومن شأنه أن تخلق خلاله ظروف ومفاجآت من شأنها أن تؤجج الصراع بصورة اكبر».
وكشف المصدر أنّ اكثر من طرف يتحرّك على خط المساعي لخفض التصعيد، ولاسيما الفرنسيون بصورة خاصة، إضافة إلى الامم المتحدة، سواء من خلال لجنة «الميكانيزم» او عبر لقاءات مباشرة مع المسؤولين في لبنان وإسرائيل (مشيراً إلى زيارة ممثلة الامين العام للأمم المتحدة بلاسخارت إلى إسرائيل قبل ايام قليلة، وقامت أمس بزيارة رئيس الجمهورية)، وأيّد بقوة دخول لبنان وإسرائيل في مفاوضات لترسيخ الأمن والاستقرار بينهما، مبدياً استغرابه لما سمّاه التوقف غير المنطقي عند شكل المفاوضات أكانت مباشرة او غير مباشرة، وقال: «بمعزل عن طريقة التفاوض، المطلوب سلوك هذا المسار بما يفضي إلى تثبيت وقف الأعمال العدائية، وإشاعة حال من الأمن والاستقرار بصورة مستدامة في منطقة عمل القرار 1701، وخصوصاً انّ فترة انتداب قوات «اليونيفيل» في منتطقة عملها في جنوب لبنان باتت مقيّدة بفترة زمنية حتى نهاية السنة المقبلة».
هوكشتاين يردّ
إلى ذلك، لم تهدأ العاصفة التي أحدثها الكلام الأخير للموفد الأميركي توم برّاك ووصفه لبنان بالدولة الفاشلة، ففيما اكّد مرجع كبير لـ«الجمهورية» انّ «برّاك ومنذ انتهاء، او ربما إنهاء مهمّته في لبنان، لا نرى منه سوى الإكثار من الكلام، والحكي ببلاش. وافضل ردّ على ما قاله براّك، هو أن يُكتفى بما قاله المبعوث الأميركي السابق إلى لبنان آموس هوكشتاين رداً على برّاك».
وكان هوكشتاين قد سُئل عن رأيه في قول برّاك بأنّ لبنان «دولة فاشلة»، فقال: «إنّ لبنان يعاني بالفعل من مشاكل وتحدّيات اقتصادية ضخمة». وأضاف في حديث لـ«The National»، انّه «عوضاً عن التفكير في أخطائهم، علينا نحن، المجتمع الدولي، أن نقول إنّه بعد حرب 2006، كان «حزب الله» وإيران من قاما بإعادة الإعمار، وإنْ كنا لا نريد لهما أن يفعلا ذلك، فعلينا نحن أن نتقدّم بأموال ومقاربة حقيقية لإعادة الإعمار»، لافتًا إلى «أنّنا نولي أهمية كبيرة لإعادة الإعمار في غزة وننظّم مؤتمرات، ويجب أن نفعل الأمر عينه للبنان». واكّد هوكشتاين انّه «يجب أن نبرهن للناس في جنوب لبنان أنّ المجتمع الدولي لا يظهر فقط عندما يكون هناك قصف، بل أيضاً لإعادة إعمار الطرقات والمزارع وإعادة الكهرباء. فعندما يكون هناك فراغ ما، غالباً لا يملؤه أناس خيرون».
اشتباك المغتربين
سياسياً، مهلة الاسبوع الممنوحة للجنة الوزارية لإعداد تصوّرها في ما خصّ التعديلات المقترحة للقانون الانتخابي النافذ، لعرضه على الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء، وعلى ما تقول مصادر متابعة لعمل اللجنة لـ«الجمهورية»، فإنّ مهمّة اللجنة في جانب منها ميسّرة من الناحية التقنيّة، ولاسيما في ما يتعلق بالبطاقة الإنتخابية و»الميغاسنتر»، حيث انّ تحقيق هذا الأمر مرتبط بقدرة الحكومة وامتلاكها امكانات توفيرهما، وبما اذا كانت الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد الانتخابات 7 اشهر، كافية لإنجازهما حتى في ظل توفّر الإمكانات المالية والتقنية، وفي النهاية هذا الامر لا يشكّل مادة خلافية بين أعضاء اللجنة.
الّا انّ مهمّة اللجنة في جانبها الآخر، او بمعنى أدق جانبها الجوهري، وكما تقول المصادر عينها، فإنّها محفوفة بتناقضات عميقة حول تصويت المغتربين، جرى التأكيد عليها مجدّداً في حركة الاتصالات التي جرت مع الاطراف السياسية المعنية غداة تشكيل اللجنة. وبناءً على ذلك، رجحت المصادر أنّ أقصى ما قد تصل اليه اللجنة الوزارية هو «نتيجة صفر» حيال هذا الأمر، تبرز فيها نقاط الاختلاف لا اكثر، على أن يُترك الأمر لمجلس الوزراء لكي يتخذ القرار المناسب حيالها، ذلك انّ تلك التناقضات عميقة تصعّب عليها أن تتبنّى طرحا دون آلآخر، وكذلك تصعّب عليها امكانية التوفيق بين موقف وزراء «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» الذين يصرّون على إشراك المغتربين بالاقتراع لكل اعضاء المجلس النيابي، وليس حصر اقتراعهم بستة نواب على مستوى القارات الست، وبين موقف وزراء ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» الذين يؤكّدون على إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل وفق القانون النافذ، الذي أعطى للمغتربين حقّ التصويت لكلّ المجلس النيابي لمرّة واحدة، عُمل بها في الانتخابات النيابية السابقة التي انتجت المجلس النيابي الحالي».
جلسة مشتعلة
عملياً، لا يعدو تشكيل اللجنة الوزارية ومنحها اسبوعاً لإنجاز مهمّتها، اكثر من ترحيل الاشتباك اسبوعاً، وتبعاً لذلك، فإنّه بمعزل عن النتيجة التي ستنتهي اليها اللجنة، وهي معروفة سلفاً، فإنّ التقديرات الوزاريّة ترجّح أن تكون الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء التي سيتمّ فيها عرض تقرير اللجنة، جلسة مشتعلة، تشكّل استمراراً للاشتباك العنيف الذي اندلع في جولة تمهيدية لما هو أعنف في الجلسة السابقة، وشهد سجالات ومناكفات بين المتحمّسين لتصويت المغتربين وبين المتمسكين بالقانون الانتخابي النافذ، وحدّة وصراخاً من قبل وزراء الكتائب تحديداً، وتهديداً من قبل وزراء «القوات» بالانسحاب من الجلسة ما لم يؤخذ بطرحهم، وتبنيه مشروع قانون معجّل يُحال إلى المجلس النيابي لإقراره».
ورداً على سؤال عمّا إذا كان التوجّه الحكومي نحو طرح تعديلات للقانون الانتخابي، قالت مصادر حكومية لـ«الجمهورية»، انّها لا تستطيع ان تجزم إن كان سيتمّ طرح تعديلات ام لا، فالقرار في هذا الشأن عائد لمجلس الوزراء، علماً انّ القرار جامع بين الرؤساء الثلاثة بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، اما في ما خص القانون الانتخابي والتعديلات المطروحة، فإنّ الحكومة تقارب هذا الأمر بحيادية ومسؤولية، وهي على جهوزيتها، كما عبّر وزير الداخلية اكثر من مرّة، لإجراء الانتخابات بأعلى قدر من النزاهة والحيادية والشفافية، وما يوازي ذلك بأهميته، هو انّ التوجّه العام هو لعدم الإقدام على أيّ خطوة تكون سبباً في تعميق الشرخ ومزيد من الانقسام».
ورشة إعادة الإعمار
من جهة ثانية، يُعقد في مجمّع الرئيس نبيه بري في المصيلح اليوم، «اللقاء التنسيقي الاول نحو إعادة الإعمار»، والغاية منه جمع جميع الأطراف المعنية من مؤسسات الدولة، والمؤسسات الدولية والخبراء، بهدف توحيد الجهود وضمان التنفيذ الفعّال للمشاريع التي تعيد الأمل والاستقرار إلى المناطق المتضررة.
ويفترض ان يشارك في هذه الورشة، وزراء (المال، الاشغال العامة والنقل، الزراعة، الصحة، البيئة) وممثلون عن بعثة البنك الدولي في لبنان، وعن منسقية الامم المتحدة في لبنان، وقيادة «اليونيفيل» وممثل عن قيادة الجيش، ونواب من كتلة «التنمية والتحرير» النيابية، وكتلة «الوفاء للمقاومة»، ومنسق الشؤون الإنسانية التابع للامم المتحدة في لبنان، وممثلون عن المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة، ومجلس الإنماء والإعمار، مجلس الجنوب، ومحافظا الجنوب والنبطية، ورؤساء اتحادات البلديات في محافظتي الجنوب والنبطية.