تزداد المؤشرات الميدانية التي تفيد بأن دولة الاحتلال تسعى في المرحلة الراهنة إلى إيجاد ذرائع جديدة تبرّر خروقها المتكرّرة لاتفاق وقف إطلاق النار مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. فبعد الحرب المدمّرة الأخيرة، تعيش دولة الاحتلال حالة من التخبّط بين ضغوطٍ داخليةٍ متصاعدة ومناخٍ دوليٍ يزداد رفضًا لسياساتها القائمة على العقاب الجماعي وانتهاك القانون الدولي الإنساني.
روايات جاهزة لخدمة العدوان
منذ عملية طوفان الأقصى، تعمد دولة الاحتلال إلى تكثيف إنتاج روايات إعلامية وأمنية تُستخدم لتبرير خروقها المتكرّرة وتصعيدها العسكري ضد غزة. فهي كثيرًا ما تدّعي وقوع تجاوزات من طرف المقاومة، أو تعلن عن مقتل جنودٍ في عملياتٍ يُزعم أنها جديدة، رغم أن بعضهم سقط في الحرب الأخيرة. والهدف من هذه السردية الممنهجة هو إقناع الرأي العام الصهيوني والدولي بأن الاحتلال يتصرّف “دفاعًا عن النفس”، بينما الحقيقة أن هذه الذرائع تُصاغ مسبقًا لتهيئة الأرضية السياسية والإعلامية لعدوانٍ جديد.
إعادة تدوير الدم لخدمة السياسة
ويلاحظ مراقبون أن إعادة طرح أسماء جنودٍ قُتلوا سابقًا في الإعلام ليست خطوة بريئة، بل أداة ضمن هندسةٍ إعلاميةٍ مقصودة تهدف إلى تحضير البيئة النفسية والسياسية لتصعيدٍ جديد. فهذه السردية تُستثمر داخليًا لتعبئة الشارع داخل دولة الاحتلال خلف القيادة العسكرية، وخارجيًا لتقديم رواية تبريرية لأي عملية استهداف قادمة ضد شخصياتٍ أو مواقع تُصنّفها تل أبيب ضمن “الأهداف الثمينة”.
فرض الأمر الواقع في أكثر من جبهة
سياسات دولة الاحتلال لا تقتصر على غزة فحسب، بل تمتد إلى لبنان وسوريا، حيث تنفّذ استهدافات متكرّرة تحت ذريعة “الردع الاستباقي”.
هذه الممارسات تكشف عن توجهٍ ثابتٍ نحو فرض الأمر الواقع الميداني والسياسي، في ظل غياب رادعٍ دوليٍ حقيقي. أما الجهات الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار، فتبدو عاجزة أو متواطئة بصمتها، ما يجعل الخروقات تتحوّل إلى أعرافٍ غير معلنة تهدّد جوهر الاتفاقات ذاتها.
مسؤولية الضامنين والمجتمع الدولي
يتحمّل الضامنون لاتفاق وقف إطلاق النار مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه ما يجري في الميدان. فاستمرار القصف وسقوط الضحايا المدنيين – من أطفالٍ ونساء – يتطلّب فتح تحقيقٍ دوليٍ مستقلّ يميّز بين المزاعم التي تروّجها دولة الاحتلال والوقائع الفعلية على الأرض. فالصمت الدولي أمام هذه الخروقات يُعدّ عمليًا تفويضًا بالعدوان، ويُضعف مصداقية المنظومة الدولية في حماية المدنيين ومنع تكرار المأساة.
رواية بلا جمهور
يحاول الاحتلال الصهيوني اليوم أن يكتب فصلاً جديدًا من روايته القديمة: رواية الضحية التي تتحوّل إلى جلاد. غير أن الواقع تغيّر؛ فالعالم الذي شاهد المجازر في غزة لم يعد يصدّق القصص المصنوعة في غرف الإعلام العسكري. وبين الذرائع والدم، تبقى الحقيقة الوحيدة أن الاحتلال يسقط أخلاقيًا كلما حاول أن يبرّر جريمته.
موقع سفير الشمال الإلكتروني