منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في 15 نيسان 2023، يعيش السودان واحدة من أعنف الأزمات في تاريخه الحديث، بينما يخيّم الصمت العربي على جرحٍ ما زال ينزف أمام أنظار العالم.
لم تكن الحرب مفاجئة لمن تابع مسار التحوّلات السياسية بعد سقوط نظام عمر البشير عام 2019، لكنها سرعان ما تحوّلت من صراعٍ على السلطة إلى حربٍ شاملة دمّرت البنية المدنية والعسكرية للدولة، وشرّدت الملايين.
الكارثة بالأرقام
تصف الأمم المتحدة ما يجري في السودان بأنه “أكبر أزمة إنسانية في العالم اليوم”.
ووفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تجاوز عدد النازحين 13 مليون شخصا، فيما قُتل عشرات الآلاف منذ اندلاع القتال. وتشير صحيفة ذا غارديان (نيسان 2025) إلى أنّ أكثر من 25 مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة ـ أي أكثر من نصف سكان البلاد.
أما الأطفال، فهم الضحية الأكبر:
نحو 14 مليون طفل بحاجة إلى دعم فوري، بحسب اليونيسف.
1,721 انتهاكًا جسيمًا سُجّل ضد الأطفال في عام 2023 وحده، بين قتلٍ وتجنيدٍ واعتداءاتٍ جنسية.
أكثر من 10 ملايين طفل يعيشون أو يدرسون في مناطق القتال المباشر.
وفي دارفور، وثّقت منظمات إنسانية عمليات قتل جماعي واغتصاب ونهب وصفتها الأمم المتحدة بأنها “جرائم إبادة محتملة”، خصوصًا في الجنينة والفاشر اللتين عاشتا حصارًا خانقًا لأكثر من 500 يوما.
حرب بالوكالة… وصمت بالأصالة
تتفق معظم التقارير على أن الحرب في السودان تجاوزت طابعها المحلي، لتتحوّل إلى ساحة صراعٍ إقليمي ودولي.
فقد تحدث مركز ويلسون الأميركي عن تدخلاتٍ خارجية عبر تمويل وتسليح أطراف محلية، بينما أشارت مصادر ميدانية إلى عبور مقاتلين من تشاد وإريتريا وإثيوبيا لدعم أحد الجانبين.
ورغم هذا الحجم الهائل من المأساة، ظلّ الموقف العربي باهتًا.
فلم تبادر جامعة الدول العربية إلى عقد قمة طارئة، ولم تُفعّل لجان الوساطة كما حدث في أزماتٍ أقلّ خطورة. أما الإعلام العربي، فغابت عنه المتابعة الميدانية الجادة، وكأن السودان حرب “بعيدة” رغم أنه في قلب القارة العربية.
النسيان العربي… أخطر من الحرب
في زمنٍ تتسابق فيه بعض الأنظمة على التطبيع مع إسرائيل، تتراجع أولويات التضامن العربي، وتُختزل الأخوّة إلى بياناتٍ رسمية باهتة.
والمفارقة أن مأساة أطفال الخرطوم أو دارفور لا تختلف عن مأساة أطفال غزة، سوى أن الأولى تُرتكب بأيدٍ سودانية وسط صمتٍ عربيٍّ لا يليق بتاريخ المنطقة ولا بعمق انتمائها.
إنّ السودان اليوم ليس مجرد دولةٍ في حرب، بل اختبار أخلاقي وسياسي للعرب جميعًا: هل تبقى الأخوّة العربية شعارًا يُردّد في المؤتمرات، أم تتحوّل إلى موقفٍ فعليٍّ يُترجم بالمساعدات، والوساطات، والدعم الدبلوماسي الحقيقي؟.
Related Posts
حصاد “″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الخميس
مصير قانون الإنتخابات بيد لجنة.. مخرجٌ أم تأجيلٌ للأزمة؟.. عبدالكافي الصمد
وزير العدل: الجيش سيتصدى لأي توغّل إسرائيلي
The post السودان… جرح أنهكه النسيان!.. بقلم: د. عاصم عبد الرحمن appeared first on .