كتب شار جبور في صحيفة "نداء الوطن":
دخل لبنان، مع اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، وتحديدًا مع قرار مجلس الوزراء في الخامس من آب 2025، مرحلة جديدة مختلفة كليًا عمّا سبقها، ولا يجوز التعامل معها بالقواعد ذاتها المعمول بها في المرحلة السابقة وكانت تخدم "حزب اللّه"، الذي من مصلحته أن يصوِّر الاستهدافات الإسرائيلية له على أنها استهدافات للبنان، انطلاقًا من الحجة التي حاول ترويجها طويلًا، بأنه يدافع عن لبنان.
وما يفترض قوله بوضوح وصراحة هو أن المواجهة قائمة بين إسرائيل و "الحزب"، ولا علاقة للبنان بها لا من قريب ولا من بعيد. ولا يجوز أن يتعامل لبنان الرسمي مع هذا الواقع بلغتين متناقضتين، ففي حين تؤكِّد النصوص المرجعية الصادرة عن السلطة الجديدة، من خطاب القسم والبيان الوزاري، إلى مواقف رئيسي الجمهورية والحكومة، التمسُّك باحتكار الدولة السلاح تنفيذًا للدستور، وصولًا إلى قرار 5 آب، الذي شدّد على نزع السلاح غير الشرعي، تتقدّم الدولة في الوقت نفسه بشكاوى إلى مجلس الأمن تنديدًا بالاستهدافات الإسرائيلية.
وما تقدّم لا يعني تبرير هذه الاستهدافات، لكن آن الأوان للإقرار بأن سببها هو "الحزب"، وما لم تُقدِم الدولة على نزع سلاح "الحزب"، فإن هذه الاستهدافات ستتواصل. ومن غير المقبول الاستمرار في دفن الرؤوس في الرمال من خلال التقدُّم بشكاوى لا تخدم إلّا "الحزب" ومشروعه، وكأن المواجهة هي مع لبنان واللبنانيين، فيما هي في الحقيقة مع "الحزب" وحده.
وفوق ذلك، تحوّلت الشكاوى إلى مجلس الأمن إلى خطوات فولكلورية لا قيمة لها، في ظلّ أطنان من الشكاوى التي لم تؤدِ إلى أيّ نتيجة. وبالتالي، من الضروري الإقلاع عن هذا النمط في مرحلة مصيرية تتطلّب من الدولة اتخاذ خطوات مسؤولة وجدية، تبدأ بتنفيذ الدستور وبسط سلطتها على جميع أراضيها.
وإذا كان لا بدّ من شكوى إلى مجلس الأمن، فهي يجب أن تكون حول تقاعسه وتخاذله في تنفيذ قراراته، وفي طليعتها القرار 1559 الذي نصّ على نزع السلاح غير الشرعي تطبيقًا لاتفاق الطائف، والقرار 1701 الذي لم ينفذ لجهة أن يكون السلاح الوحيد بيد الدولة على كلّ الأراضي اللبنانية. فالمطلوب من مجلس الأمن أن يطبِّق قراراته أولًا، لأن عدم تطبيقها مدّد الأزمة اللبنانية لعقدين إضافيين، فيما كان يجب أن تنتهي على الأقل في العام 2005 مع خروج جيش الأسد من لبنان بإنهاء سلاح "حزب اللّه" أيضًا.
وقد أثبتت الوقائع أن التمسُّك بأسطوانة الشكاوى والمطالبة بوقف الاستهدافات الإسرائيلية لا يفيدان سوى في إبقاء لبنان ساحة مستباحة في ظلّ تطوّر جديد نتج عن "حرب الإسناد" وهو أن "الحزب" أصبح عاجزًا عسكريًا باستثناء المواقف الخطابية، في حين تمكّنت إسرائيل منه عسكريًا وأصبحت مستفيدة من هذا الوضع الجديد. أمّا المتضرِّر الحقيقي فهو لبنان وشعبه، نتيجة بقاء الدولة شكلية، وتجميد المساعدات والاستثمارات التي ترتبط بنزع السلاح غير الشرعي.
فالآليّة السابقة جرِّبّت وأبقت لبنان في وضع الساحة، بينما الاتجاه العام في المنطقة بات واضحًا لجهة أن لا مكان للممانعة وأذرعها في حاضر المنطقة ومستقبلها. وهذا الواقع يفترض أن يدفع الدولة إلى تغيير أولويّاتها وإلّا تتحمّل مسؤولية بقاء إسرائيل واستمرار الوضع المأسوي القائم. وهذا يعني، بالترجمة العملية، أن تبدأ الحكومة بنزع سلاح "الحزب" فورًا، ضمن مهلة زمنية قصيرة جدًا، وعندما تبسط سيطرتها الكاملة، يصبح أي استهداف إسرائيلي استهدافًا للدولة، وحينها فقط يحق لها التقدُّم بشكوى إلى مجلس الأمن. أما قبل ذلك، فالمواجهة لا تزال بين إسرائيل و "الحزب"، والدولة هي المتضرِّرة من الأخير بسبب امتلاكه السلاح خلافًا لإرادتها ودستورها.
إن الاستهدافات الإسرائيلية سببها سلاح "الحزب"، وعندما يُزال السبب، يكون لكلّ حادث حديث. لكن من غير المقبول أن تتخذ الدولة خطوات، كالشكاوى وغيرها، يستفيد منها "الحزب" الذي يتحمّل كامل المسؤولية عن هذه الاستهدافات، وعن تواجد الجيش الإسرائيلي في نقاط عدّة داخل لبنان. وبالتالي، على الدولة أن تكون منسجمة مع قراراتها، تطبيقًا لدستورها، وأن تفرض سيادتها وهيبتها. وعندما تقوم بدورها الكامل، وتستمرّ إسرائيل في استهدافاتها، حينها فقط تصبح المواجهة معها مواجهة مع الدولة اللبنانية.