يشكّل السلام قيمة إنسانية عليا، وغاية سعت إليها المجتمعات منذ أقدم العصور. غير أنّه في السياسة الدولية، غالبًا ما يتأرجح بين كونه حقيقة منشودة أو وهمًا تفرضه مصالح القوى.
لطالما كان السلام شعارًا مرفوعًا في المحافل الدولية، وغايةً تتغنّى بها الدول الكبرى، لكنه في كثير من الأحيان ظلّ حبيس الخطابات والمواثيق، بعيدًا عن الواقع المليء بالمصالح والهواجس والصراعات.
وبين الحقيقة والأوهام، تتجلى معضلة السلام في عالمنا المعاصر.
السلام الحقيقي يفترض أن يكون خيارًا نابعًا من قناعة إنسانية بعدالة الحقوق، لكنّ ما نشهده هو تغليب منطق القوة وموازين المصالح. فالدول الكبرى تتعامل مع مفهوم السلام وفق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، فتراه وسيلة لتكريس نفوذها، أو أداة لفرض هيمنتها، لا غاية سامية لتحقيق العدل والطمأنينة للشعوب.
وهنا يتجلى الوهم؛ إذ يُرسم السلام كواجهة براقة تخفي وراءها معادلات من القوة والسيطرة، وتُختزل حقوق الشعوب في تفاهمات هشة أو حلول مجتزأة لا تصمد أمام تحديات الواقع.
كما أن الدول التي تعيش هواجس أمنية وسياسية تدفعها إلى الارتماء في معاهدات سلام لا تضمن سوى استمرار بقائها، ولو على حساب شعوب أخرى.
في المقابل، توظف قوى أخرى شعار السلام لكسب الشرعية الدولية، بينما تمارس على الأرض سياسات الاحتلال والتمييز والاقتلاع.
وهكذا يصبح السلام ورقة ضغط أو صفقة مصالح، لا التزامًا أخلاقيًا أو إنسانيًا.
في ظل هذه المعادلات المضطربة، يظلّ أصحاب الحق والأرض هم الخاسر الأكبر. فحقوق الشعوب المغتصبة، وحق الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها، كثيرًا ما تُهمّش أو تُختزل في بنود تفاوضية تتجاهل (جوهر القضية): الأرض والكرامة والسيادة.
إن السلام الحقيقي لا يقوم إلا على أساس استعادة الحقوق كاملة، وضمان العدالة للشعوب، وإلا سيظل سلامًا زائفًا، هشًا، سرعان ما تنهار أوهامه أمام أول اختبار.
السلام ليس كلمات رنانة ولا اتفاقيات تُكتب على الورق، بل هو منظومة من العدالة والاعتراف بالحقوق، وإرادة صادقة لتجاوز الصراعات بالإنصاف لا بالإملاء.
وبين الحقيقة والأوهام، يبقى التحدي الأكبر، هل تستطيع البشرية أن تصنع سلامًا يقوم على الحق لا على القوة، وعلى العدالة لا على المصالح؟.
موقع سفير الشمال الإلكتروني