قبل نحو 7 أشهر من موعد الإنتخابات النيابية المرتقبة في شهر أيّار من العام المقبل، ووسط جدل وتجاذب سياسي كبيرين حول قانون الإنتخابات المرتقب، ومواقف وتسريبات عديدة تتحدث عن إحتمال تأجيل الإستحقاق الإنتخابي، في ظلّ تمسّك الجهات الرسمية المعنية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الداخلية) وقوى سياسية مختلفة بإجرائها في موعدها، كانت إستطلاعات رأي تجري على قدم وساق في مختلف الدوائر الإنتخابية، في محاولة لـ”جسّ نبض” الرأي العام ومعرفة توجهاته، وقراءة مسبقة للتغييرات المتوقعة التي ترجّح الإستطلاعات أن تُسفر عنها الإنتخابات المقبلة.
أحد هذه الإستطلاعات كان ذاك الذي أجراه “مركز الإحصاء والدراسات الإستراتيجية” الذي يرأسه ويُشرف عليه الخبير الإنتخابي والأستاذ الجامعي الدكتور إيليا إيليا، في 15 أيلول الجاري، تحت عنوان “قراءة في جسّ النبض الإنتخابي ـ دائرة الشّمال الثانية (طرابلس ـ الضنّية والمنية)”، تضمّن أسئلة عديدة شملت عيّنة من 3500 إستمارة، إضافة إلى دراسة اعتمدت النسب المئوية التي حصل عليها المرشّحون المحتملون (الأصوات التفضيلية)، بعد الأخذ بعين الإعتبار عدد المقترعين المحتملين بكل منطقة من الدائرة الإنتخابية التي شملها الإستطلاع، الذي أُجري دون التطرّق إلى اللوائح لأنّ التحالفات الإنتخابية، كما الترشيحات، غير واضحة حتى الآن.
حسب الإستطلاع والدراسة فقد تبين أنّ عدد المقترعين في الدائرة هو بحدود 142 ألف مقترع من أصل 398 ألف ناخب مسجل على لوائح الشطب، بنسبة تصل إلى 35.85 في المئة، وأنّ الضنّية ُسجلت فيها النسبة الأعلى من الإقتراع (44.73 في المئة)، تلتها المنية (37.43 في المئة)، وأخيراً طرابلس التي سُجلت فيها النسبة الأدنى من الإقتراع في الدائرة ولم تتجاوز (32.92 في المئة).
وفي حين كشف إستطلاع الرأي عن بقاء النائبين جهاد الصمد وعبد العزيز الصمد متقدمين على النائب السابق سامي فتفت وغيره من المرشّحين في الضنية بما يخصّ الأصوات التفضيلية التي يُرجّح أن يحصلان عليها في الإنتخابات المقبلة، فقد أظهر الإستطلاع تبدّلاً لافتاً في المنية، حيث تقدّم النائب السّابق عثمان علم الدين على النائب الحالي أحمد الخير من حيث الأصوات التفضيلية التي يمكن للأول أن يحصل عليها.
وفي طرابلس سجل حضور النواب السنة الخمسة في استطلاع الرأي، اشرف ريفي وطه ناجي وعبد الكريم كبارة وفيصل كرامي وايهاب مطر، في ظل منافسة قوية من قبل رامي فنج الذي ابطل المجلس الدستوري نيابته لمصلحة كرامي، والنائب السابق عن تيار المستقبل مصطفى علوش والامين العام السابق للجماعة الاسلامية عزام الايوبي.
وبما يخصّ مقاعد الأقليات في عاصمة الشّمال، فقد حلّ أولاً النّائب الحالي عن المقعد الماروني وممثل القوات اللبنانية إلياس الخوري، والنائب السّابق علي درويش أولاً عن المقعد العلوي متقدماً على النائب الحالي حيدر ناصر، ومرشّح تيّار المردة عن المقعد الأرثوذكسي رفلي دياب أولاً متقدماً على النائب الحالي جميل عبود، غير أنّ الحاصل الإنتخابي الذي ستناله أيّ لائحة هو الذي سيحسم في نهاية المطاف فوز أيّ منهم.
غير أنّ الدراسة التحليلية لاستطلاع الرأي المذكور خلصت إلى أنّ مدينة طرابلس تبدو “عقدة الدائرة”، ليس فقط “بسبب ثقلها العددي كون أصواتها يُشكلون أكثر من نصف أصوات الدائرة، بل أيضاً نتيجة غياب مرجعية موحدة (تيّار المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي) قادرة على جمع الكتلة السنّية تحت سقف سياسي واحد، وأنّ هذه التفكّك يفتح الباب أمام مزيد من التنافس الفردي بين المرشّحين، ويضعف قدرة أيّ لائحة على حسم المشهد الإنتخابي بسهولة”.
أمّا الضنّية التي وصفتها الدراسة بأنّها “تتميز بثبات نسبي وتعدّد مرجعيات، فهي تشهد مزيجاً من الولاءات العائلية والخيارات السّياسية الحديثة. والأرقام توحي بوجود قاعدة إنتخابية متماسكة نسبياً، لكنّ ولاءاتها تتوزّع على أكثر من شخصية ومرجعية، ما يجعلها ساحة تنافس متوازنة”.
وبما يتعلق بالمنية التي يبدو مقعدها “حاسم وبوزن مضاعف”، فإنّ الدراسة تظهر أنّ المنية “برغم حجمها المحدود إلا أنّها تحافظ على كتلة إنتخابية منضبطة نسبياً، وأنّ أيّ تحالف إنتخابي يتمكّن من تأمين دعم هذه الكتلة، قد يعزز حظوظه في تأمين الحاصل الإنتخابي”.
لكنّ هذا الإستطلاع ليس نهاية المطاف حسب إيليا الذي أوضح في حديث مع “سفير الشّمال” أنّ “هناك إستطلاعات رأي أخرى ستجري في المرحلة المقبلة، ونتائجها لا شكّ ستتبدل كلّما اقترب موعد الإنتخابات النيابية وتشكلت اللوائح، حيث سيشتد حينها العصب الإنتخابي ويتضح المشهد الإنتخابي بشكل أفضل بالنسبة للمرشحين، صعوداً أو هبوطاً”.
وفي حين يؤكد إيليا أنّ مشاركة ميقاتي وتيّار المستقبل في الإنتخابات المقبلة في حال عودة الرئيس سعد الحريري عن عزوفه “سترفع نسبة المشاركة وفي تبدّل نسبي في النتائج”، فإنه يرأى أنّ “هناك عوامل عديدة ستؤثر في الإنتخابات، بدءاً من الترشيحات وتشكيل اللوائح وصولاً إلى النتائج، وهي: العامل السّعودي، والمشهد السّوري، والمال الإنتخابي وتشكيل اللوائح، إضافة إلى “الموجة السّياسية” التي تسبق عادة أيّ إنتخابات ويسعى كثيرون لركوبها، ونقلهم البارودة من كتفٍ إلى آخر، ولو في آخر لحظة، آملاً في الفوز بمقعد نيابي هنا أو هناك”.
موقع سفير الشمال الإلكتروني