لم تكد تمضي ساعات على انتهاء جلسة الحكومة في قصر بعبدا الرئاسي عصر يوم الجمعة الماضي، التي انفضّت بعدها بـ”مخرج” جنّب البلاد الإنزلاق نحو توتر وانقسام كبيرين، تمثل في إعلان الحكومة “الترحيب” بخطّة الجيش لحصر السلاح و”أخذ العلم” بها، بدلاّ من إقرار الخطة، حتى سارع كثيرون إلى الترحيب بهذه الخطوة، معتبرين أنّ هذا “القرار الحكيم” سيدرك اللبنانيون أهميته في ما بعد.
أربعة أيّام فقط بعد تلك الجلسة كانت كافية لتأكّد اللبنانيين من ذلك، ولكي يتيقنوا بأنّ أيّ تنازل يُقدّم للعدو الإسرائيلي لن يردعه عن الإستمرار في عدوانه، فهو بعد توسيع رقعة عدوانه وارتكابه المجازر في قطاع غزّة بشكل منقطع النظير لم يعرفه العالم من قبل، وحرب الإبادة التي يشنّها ضد القطاع، لم يتورّع عن الإغارة على العاصمة القطرية الدوحة واستهدافه مقرّ إقامة قيادات حركة حماس فيها، الذين نجوا بإعجوبة من عملية اغتيال إستهدفتهم جميعاً.
العدوان الإسرائيلي على الدوحة شكّل دليلاً إضافياً على أنّ العدو الإسرائيلي، ومن يدعمه، لا يحترم أيّ دولة أو جهة سواء كانت وسيطاً أو محايداً، الأمر الذي ليس سيوقف أيّ جولات مقبلة من التفاوض بين حركة حماس والعدو للتوصّل إلى هدنة توقف الحرب العدوانية في قطاع غزّة، إنّما سيمرّ وقت طويل قبل أن تتطوع أيّ دولة أو جهة لاستقبال جولات التفاوض لاحقاً في ضوء ما حصل أمس في قطر، وهو تطوّر ينذر بأنّ الأيّام المقبلة ذاهبة بلا شك نحو تصعيد بالغ الخطورة وأكبر من السّابق.
هذا الواقع، يؤشّر الى طبيعة ونيّة الكيان العدوانية، خصوصا في ظل ما قاله رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا يوم أمس بعد محاولته إستهداف قادة حماس في قطر، بأنّ “هذه رسالة للشّرق الأوسط بأسره”، وهي رسالة كانت متشعبة ومتعدّدة الإتجاهات. ذلك أنّه خلال 24 ساعة من يوم أمس الثلاثاء أغار الطيران الحربي للعدو الإسرائيلي على خمس دول عربية وقصفها، هي: لبنان الذي لم يتوقف إستهدافه يومياً وتحديداً منذ عملية “طوفان الأقصى” قبل نحو عامين، وسوريا التي استهدف العدو مراكز عسكرية فيها، وتونس التي قام العدو أيضاً باستهداف “أسطول الحرية” الذي يُبحر نحو فلسطين المحتلة والذي تشارك فيه عشرات دول العالم للضغط على الكيان من أجل إيقاف العدوان على غزّة وفكّ الحصار عنها، وقطاع غزّة الذي تستمر فيه المجازر وأعمال الإبادة التي يرتكبها جيش العدو بلا أيّ رادع، وأخيراً قطر.
هذه التطوّرات الدراماتيكية والخطيرة التي شهدتها الأيّام الأربعة الماضية بعد جلسة الحكومة في 5 أيلول الجاري، لم تترك فقط إرتياحاً واسعاً للمخرج الذي توصّلت إليه خلال جلسة مناقشة خطّة حصر السّلاح وترحيبها بها، إنّما شكّلت أيضاً حصانة سياسية وغطاءً واسعاً من شأنه أن يحمي لبنان من المخاطر العديدة التي تستهدفه وتستهدف المنطقة كلّها، أقلّه في المدى المنظور.
موقع سفير الشمال الإلكتروني