شكّل مؤتمر بكين الأخير محطة بارزة في سياق التحولات الجارية في النظام الدولي، حيث التقى عدد من الفاعلين الدوليين من خارج الدائرة الغربية، في محاولة لإعادة صياغة التوازنات العالمية. ردود الفعل الغربية، التي وصفت المؤتمر بأنه "اجتماع المستبدين"، تكشف عن قلق عميق من تراجع مركزية القطب الواحد، وصعود بدائل مؤسسية وجيوسياسية جديدة.
اولاً : بكين كمنصة بديلة
انعقاد المؤتمر في بكين لا يمثل حدثاً معزولاً، بل هو جزء من مسار متصاعد نحو التعددية القطبية. الصين تسعى لتوظيف مكانتها الاقتصادية والدبلوماسية لتقديم نموذج مغاير للعلاقات الدولية يقوم على الشراكات المتوازنة، بعيداً عن الهيمنة التقليدية.
ثانياً: دور منظمة شنغهاي والبريكس
منظمة شنغهاي للتعاون : تطورت إلى إطار أمني وسياسي يعزز التعاون بين قوى آسيا الوسطى وشرق آسيا، ويشكّل رافعة استراتيجية لتحجيم النفوذ الغربي في المنطقة.
البريكس : توسعت لتضم دولاً من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، لتصبح تجمعاً اقتصادياً يمثل أكثر من 40% من سكان العالم، ويطرح بدائل جدية للمؤسسات المالية الغربية عبر أدوات جديدة كالعملات المحلية وصندوق البريكس وتشكيل نظام موازي للسويفت .
ثالثاً : ملامح التعددية الناشئة
هذه التكتلات تعبّر عن انتقال تدريجي من نظام أحادي القطب إلى بنية متعددة الأقطاب. وفي حين يصف الغرب هذه التجمعات بالاستبداد، فإنها تكتسب شرعية عملية من حجم الأسواق والموارد التي تمثلها، ومن قدرتها على تقديم خيارات حقيقية للشعوب.
عطفا على ما سبق
جاءت أزمة الخطاب الغربي
الغرب الذي يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يواجه مأزق المصداقية التاريخية. فالإرث الاستعماري الأوروبي، بما فيه من نهب للثروات واستعباد للشعوب، إضافةً إلى التدخلات العسكرية الحديثة، يضعف أهلية الغرب الأخلاقية في تقديم نفسه حارساً للقيم الانسانية.
مؤتمر بكين وما يماثله من منصات ليس مجرد فعالية دبلوماسية، بل مؤشّر على انتقال تاريخي في توزيع القوة العالمية. صعود شنغهاي والبريكس أمام القطب الأميركي يعكس بداية تشكل نظام دولي أكثر تنوعاً وتوازناً، يفتح الباب أمام كتابة فصل جديد في العلاقات الدولية.