يوم تولى الرئيس أحمد الشرع قيادة الإدارة الجديدة في 8 كانون الأول 2024، كانت سوريا تسير آخر خطواتها نحو السقوط الاقتصادي وإعلان الإفلاس، الليرة تفقد من قيمتها يومياً، معدلات التضخم في تزايد مستمر والرواتب تتآكل، أما حجم الديون لصالح روسيا وإيران، فكانت ترتفع نتيجة تراكم الفوائد وعدم قدرة الحكومة على سدادها، في الوقت الذي كانت فيه العقوبات الأميركية والأوروبية تحاصر المصارف والاستثمارات.
حتى تاريخ التحرير كانت دمشق منهارة اقتصادياً ومنعزلة مالياً، فانتقلت إلى دولة جاذبة للاستثمار وصانعة اقتصاد وطني منتج، فأي انقلاب اقتصادي قام به الشرع؟
قرارات جريئة في مواجهة الأزمة..
مع دخول الشهر الرابع للحكم الجديد في سوريا، أصدر الرئيس أحمد الشرع قرارات جريئة أصابت العمق الاقتصادي بعملية استئصال لورم الفساد الذي استشرى في عهد الأسد:
أولا: إلغاء آلاف الوظائف الحكومية غير الفعالة، والحد من الرواتب الوهمية.
ثانيا: رفع الرواتب الحكومية بنسبة 400% لتعزيز القدرة الشرائية.
ثالثا: تشكيل لجنة اقتصادية لإدارة أصول الدولة وتحسين الكفاءة المالية.
نتيجة لهذه الخطوات، ارتفع الاحتياطي النقدي للمرة الأولى منذ 2011، ما أعطى مؤشراً إيجابياً للمستقبل الاقتصادي.
من الريع إلى الإنتاج
في آذار 2025، أصدر الشرع إعلاناً دستورياً مؤقتاً لتنظيم المرحلة الانتقالية، مصحوباً بحوار وطني لترتيب الأولويات الاقتصادية. ركزت هذه المرحلة على:
1. تقليص البيروقراطية وتحسين بيئة الأعمال.
2. إعادة هيكلة النظام الضريبي وتوحيد الإجراءات الجمركية.
3. إطلاق منصة إلكترونية موحدة لتراخيص التجارة والاستثمار.
4. فتح الباب للاستثمار العربي والأجنبي بشكل منظم وآمن.
رفع العقوبات ودعم التمويل الدولي
في 23 أيار 2025، حصلت سوريا على أول ترخيص أميركي مالي منذ فرض قانون قيصر، ما سمح بتمويل قطري لرواتب الدولة.
وفي 1 تموز 2025، رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب العقوبات عن سوريا بقرار تنفيذي فتح الباب أمام استثمارات ضخمة من شأنها خلق آلاف الوظائف خلال الأعوام المقبلة.
وفي 6 آب 2025، وقع الشرع مذكرات تفاهم لمشاريع استثمارية ضخمة بقيمة 14 مليار دولار أميركي، أبرزها استثمار سعودي يتجاوز 6 مليارات دولار أميركي بالإضافة إلى شراكات قطرية وإماراتية وتركية وأميركية وغيرها.
أما في 25 آب 2025، فقد عادت سوريا رسميّاً إلى نظام SWIFT)) العالمي للتحويلات المالية، ما أعاد ربط المصارف السورية بالنظام المصرفي الدولي.
كما أعلنت الولايات المتحدة في 25 آب 2025، الرفع النهائي للعقوبات الأميركية عن سوريا، لتدخل مرحلة جديدة من الانفتاح المالي والاستثماري غير المسبوق منذ 2011.
الأرقام تتكلم
شهد الاقتصاد السوري في سنوات النظام السابق تدهوراً حاداً، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 60% بين 2011 و2023، فيما سجل معدل التضخم مستويات قياسية تجاوزت 200% سنوياً في بعض الفترات، وتقلصت القدرة الشرائية للمواطن السوري بنسبة تجاوزت 70%.
ساهمت الإجراءات الإصلاحية التي قادها الشرع في استقرار سعر صرف الليرة السورية، حيث ارتفع الاحتياطي النقدي لدى المصرف المركزي بنسبة 25% خلال الأشهر الستة الأولى من 2025، فيما تحسنت معدلات النمو الاقتصادي إلى نحو 3% بنهاية العام، وفق تقديرات أولية.
تمكنت الحكومة من تقليص حجم الوظائف الوهمية بنسبة تقدر بـ35%، ما أسهم في توفير أكثر من 500 مليون دولار سنوياً كانت تُصرف على رواتب بلا إنتاج. إضافة إلى ذلك، رفع الرواتب الحكومية بنسبة 400% ساعد في إعادة تنشيط الطلب المحلي وتحفيز الاستهلاك.
الاستثمارات الأجنبية التي بدأت تتدفق بعد رفع العقوبات الأميركية تتجاوز 14 مليار دولار أميركي لتنفيذ 12 مشروعاً في مختلف المحافظات، يُتوقع معها خلق حتى 500 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة لتنخفض نسبة البطالة من 60% إلى 30% مع حلول العام 2030 وفق توقعات خبراء اقتصاديين، مع نمو مرتقب في قطاعات النفط والغاز والسياحة والخدمات اللوجستية.
الاستثمارات السعودية في سوريا انعكست بصورة إيجابية على البورصة السورية بحيث ارتفعت القيمة السوقية للبورصة من 2 مليار دولار أميركي إلى 3.2 مليار دولار أميركي خلال الشهرين المنصرمين فقط.
استراتيجية التمويل الوطني: رفض القروض الدولية
أعلن الشرع أن سوريا لن تلجأ إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وذلك لتجنب الشروط الإصلاحية الصارمة التي قد تؤدي إلى أزمات اجتماعية، كما حدث في دول مثل لبنان والأرجنتين واليونان. بدلاً من ذلك، تركز الحكومة على:
1. عائدات النفط والغاز بعد استعادة الحقول الشرقية.
2. رسوم الترانزيت عبر الأراضي السورية.
3. تحسين الإيرادات والحوكمة المالية.
4. تنشيط قطاع السياحة بعد تحسن الأوضاع الأمنية.
تحديات إعادة الإعمار والفرص المستقبلية
إنَّ تكلفة إعادة إعمار سوريا تفوق 300 مليار دولار أميركي، وتمثل تحدياً كبيراً للحكومة، لذا تسعى سوريا للحصول على منح من الدول الصديقة والتعاون مع الشركاء الإقليميين كالسعودية وقطر وتركيا، مع التأكيد على شروط ميسرة تتوافق مع السيادة الاقتصادية. كما تحث الحكومة على تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية والعربية، وتوفير بيئة قانونية تشجع الاستثمار من دون التنازل عن الاستقلال المالي.
إذاً، في غضون ثمانية أشهر، قاد الرئيس أحمد الشرع انقلاباً اقتصادياً جذرياً، إذ انتقل بالاقتصاد السوري من حالة الريع والتبعية إلى اقتصاد منتج ومستقل، فاتحاً أبواب الاستثمار والتنمية المستدامة، مع الحفاظ على سيادتها الاقتصادية رغم التحديات الكبيرة.
والأهم أن هذا التحول اكتمل بخطوتين مفصليتين في 25 آب 2025: عودة سوريا إلى نظام التحويلات المالية العالمي(SWIFT) ، والرفع النهائي للعقوبات الأميركية، الأمر الذي أعاد البلاد بقوة إلى قلب الاقتصاد الدولي بعد أكثر من عقد من العزلة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني