2025- 08 - 26   |   بحث في الموقع  
logo اللواء شقير يستقبل هيئة العلماء المسلمين: تحصين الساحة الداخلية أولوية مشتركة logo توقيف الرأس المدبر في عمليات سرقة كابلات “أوجيرو” في عكار logo الوفد الأميركي من بعبدا: سنتحدث مع إسرائيل بشأن انسحابها من لبنان logo براك من بعبدا: الرؤساء الثلاثة يحاولون القيام بأفضل عمل للإزدهار logo الكويت تعلن عن مساعدات للجيش اللبناني logo جين شاهين من قصر بعبدا: نحث القادة اللبنانيين للمضي في المسار الذي اختاروه logo لقاءات متعددة لوزير الداخلية.. قضايا تربوي ومعيشية تحت المجهر logo بالصور: اشتباك دموي على الحدود الشرقية بين مهربين لبنانيين وسوريين
بين ذاكرة الوطن وصدمة العودة.. هل وجد المغترب اللبناني وطنه؟!.. بقلم: سوزان السيد
2025-08-26 08:32:32

ليست عودة المغترب اللبناني إلى وطنه مجرّد تحوّل في الموقع الجغرافي، بل هي رحلة داخل الذات ومواجهة صريحة بين الحنين والواقع، بين ما كان وما آل إليه الحال.


في البعد، يصير الوطن صورة مثالية، مشبعة بالذكريات واللهفة والانتماء. ولكن حين تطأ قدم المغترب أرض لبنان من جديد، غالبًا ما يصطدم بصورة أخرى.. وطن هش، يئن تحت وطأة الأزمات، لا يشبه الحلم الذي ظلّ ساكنًا في الذاكرة، فالعودة ليست كما الرحيل.


حين يغادر المغترب، يحمل في قلبه شوقًا متراكمًا لا يُقاس. ويزداد هذا الشوق مع كل سنة اغتراب، حتى يغدو الوطن حلماً ورديًا ينتظر تحقيقه. لحظة الهبوط في مطار بيروت لحظة مفعمة بالعاطفة، تختلط فيها الدموع بالضحك، والعناق بالحكايات المؤجلة، الطرقات، البحر، الجبال، لهجة الناس، ضجيج الشوارع.. كل شيء يبدو نابضًا بالحياة، كأن الزمن توقّف ليرحّب بالعائد بعد طول غياب.


لكنّ نشوة اللقاء لا تلبث أن تتراجع أمام الواقع القاسي، فخلف ابتسامات الأهل، وأحاديث الذكريات، تبرز الأسئلة الصعبة: كيف يعيش الناس هنا؟ إلى متى سيصمد هذا البلد؟ لماذا لا شيء يعمل كما يجب؟ تبدأ صور لبنان المثالية بالتشقق، تتضاءل الوعود، ويزداد شعور الخيبة، خاصة عند أول احتكاك فعلي بالبنية التحتية، أو عند أول معاملة إدارية، أو أول انقطاع للتيار الكهربائي، أو أول محاولة لك ضد الفوضى إذا أصريت على تطبيق القانون، عندها يصبح العائد في غربة داخل الوطن.


قد تكون أقسى أنواع الغربة تلك التي يشعر بها الإنسان داخل وطنه. فالمغترب الذي حلم طويلاً بالعودة، يجد نفسه فجأة غريبًا في بيئة يفترض أنها “بيته الأول”. يعاني من فجوة نفسية بين حنينه العاطفي إلى لبنان، وواقع لبنان الذي لا يعترف بطموحاته، ولا يوفر له الحد الأدنى من مقومات الاستقرار.


وكم يكون محبطًا أن يتحوّل حماس الوصول إلى ثقل عند المغادرة، فكثير من العائدين يقفون في المطار مرة أخرى، هذه المرة وهم يغادرون، لكن بقلوب منكسرة، ينظرون من نافذة الطائرة إلى وطن لا يزالون يحبونه، لكنهم عاجزون عن البقاء فيه، تكون الحقيبة نفسها، لكن المشاعر بداخلها مختلفة تمامًا.. كانت مليئة بالشوق والحنين عند الوصول، وأصبحت مليئة بالخذلان والحزن عند الرحيل .


ويستنتج عندها المغترب أن الحنين لا يكفي، فالرضا عند العودة ليس مسألة شعور لحظي، فلقاء الأهل، التجوال في أحياء الطفولة، ارتشاف القهوة اللبنانية، وتبادل النكات بلهجة محبّبة.. كل هذه لحظات ثمينة، لكنها لا تصنع وطناً مستداماً، فالوطن ليس فقط ذاكرة، بل هو مستقبل أيضاً.


المستقبل في لبنان اليوم ضبابي، غارق في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية لا تنتهي.


إذن، هل عاد المغترب اللبناني راضيًا؟ أبدا، عاد بقلب مليء بالحب، لكن بعقل مثقل بالخيبة، عاد ليكتشف أن الوطن، كما يعرفه لم يعد هو نفسه، أو ربما، أن الوطن لم يتغير بقدر ما تكشّف على حقيقته المؤلمة.


وما أصعب أن يغادر المغترب وطنه مرتين: مرة أولى اضطر فيها للهجرة، ومرة ثانية بعد أن ظن أنه عاد إلى البيت.


وطن يرحّب بك بحرارة، ثم يودّعك ببرود.. تلك هي مرارة العودة في زمن الانهيار.


ـ الكاتبة: المحامية الأستاذة سوزان جلال السيد


ـ محامية باحثة..




Related Posts

  1. أذربيجان.. لاعب رئيسي في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد!.. بقلم: د. إيمان درنيقة الكمالي
  2. بري أنهى تظاهرة "الحزب"
  3. ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا رهن ثلاثة عوامل
  4. جابر: المطلوب ضمانات جدية لتأمين استقرار دائم للجنوبيين









The post بين ذاكرة الوطن وصدمة العودة.. هل وجد المغترب اللبناني وطنه؟!.. بقلم: سوزان السيد appeared first on .




موقع سفير الشمال الإلكتروني



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top