بعد ترقُب لا شغف حَطّ الموفد الأميركي توم براك في بيروت، فيما عادت السيدة مورغان أورتاغوس إلى الواجهة ضمن فريق المتابعة.
سلسلة لقاءات رسمية في بعبدا وعين التينة والسراي بدت هادئة في الشكل بلبوس التهنئة، حاسمة في المضمون رسائل مركّبة تجمع بين تأكيد دعم المؤسسات اللبنانية، والتشديد على أنّ الاستقرار المستدام يمرّ بمعالجة ملف السلاح.
فيما حملته الزيارة.. المسار الإعلامي المحلي وصف حضور براك –أورتاغوس بأنه “مقاربة مزدوجة”، لهجة دبلوماسية مخفّفة تقابل تشددا واضحا على معادلة واشنطن؛ لا استقرار طويل الأمد من دون ترجمة عملية لورقة حكومية سبق إقرارها وتتصل بحصر السلاح ضمن الدولة.
في سابقة لافتة في السردية العلنية، نُقل عن براك وصفه نزع السلاح انه “خدمة للبيئة الشيعية”، لا مجرد مطلب سيادي أو إقليمي فقط.هذه اللغة توحي بأن الرسالة موجّهة للقاعدة الاجتماعية بقدر ما هي موجهة للحزب.
في عودة مورغان أورتاغوس، التي تولّت سابقًا الملف اللبناني، فسّرتها وسائل محلية كجزء من إعادة تموضع أميركية؛ فريق منسّق، أقل صدامًا لفظيًا، لكن أكثر تحديدًا في الطلبات. بهذا المعنى، تحاول واشنطن تثبيت “نقطة ارتكاز” لبنانية في مرحلة ما بعد حرب غزة، عبر دعم الجيش وفتح مسار سياسي يُترجم بإجراءات ملموسة داخل الدولة، من دون وعود أميركية كبيرة على الضفة الإسرائيلية. كما رُجّحت زيارة متابعة للثنائي الاميركي قبل نهاية الشهر، بما يوحي بأن الملف يُدار على مراحل قصيرة الإيقاع.
داخليًا، قُرِأت الزيارة من فريق إشارة إلى تصاعد الضغط الخارجي على سلاح الحزب، فيما اعتبر نواب وشخصيات أنّ لبنان “على الطريق الصحيح” إذا أحسن تحويل الضغط إلى برنامج إصلاحي واستعادة توازن مؤسساتي. يُسجَّل في المقابل أن الحزب تجنّب ردًا مباشرًا على مضامين الجولة، مكتفيًا بانتقادات سابقة للحكومة ولما يعتبره “إملاءات”. وبين السطرين، يلوح أن اختبار المرحلة القادمة سيكون في مجلس الوزراء بعد قراءة وتقييم خطة قيادة الجيش لتنفيذ قرار حصرية السلاح ..
تاليآ؛ بين خروقات دائمة مع احتلال التلال الاستراتيجية وبين معادلة تطبيق القرار 1701 يبرز استحقاق تجديد ولاية قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب كأولوية وحاجة للإستقرار يتمسك بها لبنان الرسمي ويسعى عبر اصدقائه سيما الرئاسة الفرنسية، لكن الرفض الاسرائيلي والتحفظ الاميركي هذه المرة يختلف عن سابقاته لاسباب عدة ابرزها ان حكومة العدو الاسرائيلي تعتبر انها خرجت منتصرة من حربها على حزب الله ومحور المقاومة، ما يعني فرض تغيير استراتيجي يُبقي الجنوب اللبناني تحت وصايتها العسكرية لا تحت مراقبة اليونيفيل. كما ترفض توازيآ عودة إلى (اتفاقية الهدنة العامة) الموقعة عام 1949 في رأس الناقورة.
تقديرات سياسية لبنانية ترجّح حلًا وسطًا في التجديد، لكن من دون ضمانات مقابلة لخفض الخروقات. هذه الفجوة لطالما قوضت أي سردية عن “استقرار قابل للاستدامة”، وتضع لبنان أمام معادلة مزدوجة: السير بخطة داخلية لضبط السلاح، مع المطالبة بآلية رقابية جديّة على الخط الأزرق ووقف الانتهاكات.
اخيرآ، بانتظار دَرَجَ عليه وأتقنه الساسة اللبنانيون، تبدو زيارة براك -أورتاغوس خطوة ضبط إيقاع أكثر منها اختراقًا. واشنطن لا تعرض صفقة كبرى، لكنها ترسم سلمًا من الطلبات مقابل مروحة من الحوافز الضمنية (غير المضمونة) “دعم الجيش، تيسير دبلوماسي، ومناخ مساعد اقتصادي محدود”.
في المقابل، نجاح الجولة القادمة للثنائي الاميركي يقاس بما إذا كانت بيروت قادرة على تحويل الأقوال إلى أفعال، وبما إذا كانت إسرائيل ستلاقي المسار بخفض التصعيد، ضمن خارطة تدرج الخطوات المتبادلة.
حتى ذلك الحين، سيبقى الملف مفتوحًا على جولات متابعة بمقاييس إيقاعية دون حلول جذرية ريثما تنضج تسويات الاقليم..
ـ الكاتب العميد منذر الأيوبي
ـ عميد متقاعد، مختص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية
موقع سفير الشمال الإلكتروني