2025- 08 - 23   |   بحث في الموقع  
logo "طقس لبنان مبورد".. درجات الحرارة إلى انخفاض logo "نثق بأحمد الأسير".. بيان لمعتقلي الثورة السورية في لبنان logo إطلاق سراح المهاجر أبريجو الذي رحلته أمريكا بالخطأ للسلفادور logo المخابرات توقف مطلوبًا في المنية logo بوتين: روسيا تناقش مشاريع مشتركة مع أمريكا في القطب الشمالي وألاسكا logo بلدية صيدا ردّاً على القصيفي: المقال المشكو منه يثير النعرات الطائفية logo ترامب يلمح لاحتمال فرض عقوبات على روسيا خلال أسبوعين logo بعد جدل بشأن العقوبات على إسرائيل.. وزير الخارجية الهولندي يستقيل من منصبه!
الشيعة أكبر من المنطقة وأصغر من لبنان، وهم أعمق انسانية من الثورة الفرنسية وأكثر شباباً من أمريكا..(ناجي علي أمهز)
2025-08-22 20:21:44

ليس قرار العودة إلى الكتابة ترفاً فكرياً، ولا هو استجابة لضغط محبة فاضت به رسائل الأصدقاء على اختلاف مشاربهم ومواقعهم، وإن كنتُ لهؤلاء من الشاكرين. إنما هو واجب يمليه ضمير اللحظة التاريخية التي نمر بها، حيث يرتفع ضجيج الغرائز وتهوي الكلمات إلى درك الشتيمة، فيخيل للمرء أن وطناً بأكمله قد قرر أن ينتحر بالسنتنا.

وصلتني عشرات الرسائل من نخب لبنانية في الداخل والمهاجر، ومن رجال دين من طوائف كريمة، تأسف جميعها على صمتٍ أردتُه وقفة تأمل. وفي خضم هذا، جاءتني اتصالات تؤكد ما هو معلوم: أن لا أحد يمثل "حزب الله" إلا بياناته الرسمية، وأن الطائفة الشيعية ترفض الإساءة لأي مكون من مكونات هذا الوطن. بل إن الحزب نفسه، كما قيل لي، قد تمنى مراراً خفض منسوب التوتر اللفظي الذي لا يخدم قضية. هذا كله يضعنا أمام مسؤولية كبرى: مسؤولية الكلمة في زمن الفتنة.

ثمة حقيقة كبرى تتجاوز الدساتير والقوانين، بل وحتى النصوص المقدسة في بعض تطبيقاتها الاجتماعية: إنها "الأعراف". الأعراف هي ذلك الدستور غير المكتوب الذي يحكم علاقات الشعوب ويصوغ هويتها. لم تستطع أمة، على مر التاريخ، أن تلغي أعرافها بالكامل، لأنها روح المجتمع المتراكمة عبر الأجيال. واليوم، يُراد لنا أن نكسر أعرافنا اللبنانية في العيش والحوار والاحترام المتبادل، لتحل محلها شريعة الغاب الكلامية.

إن الحرب التي تخاض بالبارود والنار تختلف كلياً عن الحرب السياسية. للأولى رجالها وعتادها، وللثانية رجالها وفكرها. وكما تحشد للحرب العسكرية كل طاقاتك، عليك أن تحشد للحرب السياسية كل نخبك، وكل موادك القانونية والدستورية، وكل إيمان الناس الذين منحوك ثقتهم لتمثلهم وتدافع عنهم. أن تخسر الحرب السياسية يعني أنك قد تخسر مبرر وجودك، حتى لو ربحت كل المعارك العسكرية.

لنتأمل في التاريخ، فهو المعلم الأكبر. قضية الإمام الحسين (ع) لم تتحول إلى ضمير أمة تتخطى مئات الملايين لأنها قامت على القوة العسكرية، بل لأنها استندت إلى عدالة قضية ومظلومية صرخت في وجه التاريخ ولا تزال. لقد تعرض الشيعة على مر العصور لاضطهاد قل نظيره، ولم يكونوا يوماً طغاة أو ملوكاً بالمعنى السائد، بل إن صبرهم على الظلم وتمسكهم بالفضيلة هو ما بنى لهم كياناتهم، كما تجلّى في قيام دولة كإيران.

وإيران نفسها، التي يبلغ تعدادها اليوم 90 مليون نسمة، تحتضن حوالي 20% من مواطنيها من طوائف وأديان مختلفة. ومع ذلك، بعد انتصار الثورة، سارع قادتها إلى طمأنة هذه المكونات، وكفلوا لهم حريتهم الدينية وحقوقهم المدنية، بل ومثلّوهم في البرلمان بأكثر مما تقتضيه نسبتهم العددية. النتيجة؟ أصبح اليهودي والمسيحي الإيراني يدافع عن إيران كدفاعه عن بيته. هذا هو نموذج الحكم الذي يبني الأوطان لا الذي يفتتها.

نحن، كشيعة في لبنان والعالم، ننتمي إلى مدرسة الإمام علي (ع). هذه ليست مجرد هوية طائفية، بل هي التزام أخلاقي بالعدالة الإنسانية والتعايش. كتب فلاسفة ومفكرون عالميون، أكثر من نصفهم من المسيحيين، عن شخصية الإمام علي وفكره أكثر من أي شخصية إسلامية أخرى. فهل يعقل أن نخرج عن هذا الإرث الأخلاقي الرفيع، الذي هو "علة وجودنا"، لننزلق إلى مستنقع السباب والردح؟

لقد عُرض على حزب الله يوماً ما يشبه الدولة الممتدة من صور حتى العمق السوري، بمساحة لبنان تقريباً، وبمباركة دولية ضمنية وعلنية، لكنه رفض. رفض لأنه اختار لبنان، بصيغته ورسالته. هذا الاختيار ليس مجرد تكتيك سياسي، بل هو وفاء لجوهر الانتماء.

وهل يعتقد أحد أن القوى الكبرى، كأمريكا وإسرائيل، لا تدرك أن نزع سلاح حزب الله هو أمر يتجاوز الممكن، وقد يشعل حرباً إقليمية؟ هم يعلمون ذلك تماماً. فلماذا إذاً كل هذا الضغط؟ ولماذا قدّم الأمريكي ورقة شبه بيضاء تحت عنوان "إما أن تكونوا دولة أو ستعانون من عزلة دولية"، مؤكداً في الوقت عينه أن ما يجري في لبنان هو شأن داخلي، وأن واشنطن لا تهدد أحداً ولا تريد نزع سلاح أحد، ولن تضغط على لبنان أو إسرائيل، ولا تقدم اي ضمانات.

إن ما يجري اليوم هو عملية استفزاز ممنهجة، وفخ منصوب بعناية. كل فيديو تحريضي، كل شتيمة، كل إساءة من هنا أو هناك، ليست سوى طُعم. الهدف ليس نزع الصاروخ من تحت الأرض، بل نزع "الأخلاق" من صدورنا. يريدون دفع الطائفة الشيعية إلى ردود فعل غاضبة ومتشنجة، لتصبح شبيهة بالاخرين وإن كان بالكلمة، فتنسج بنفسها، وبألسنة أبنائها، سياجاً شائكاً من الكراهية حول نفسها، وتصبح معزولة، ومحاصَرة بصورتها التي صنعها لها خصومها وساهمت هي في ترسيخها. يريدوننا أن نخسر تعاطف الآخرين معنا؛ لأنه قد يوجد من يختلف مع رجل السياسة الذي يخاصمنا، لكن لا يوجد أحد يقبل الإساءة إلى مرجعيته الدينية أو رموزه.

تذكروا أن ثلاثمئة ألف درزي في السويداء قلبوا الطاولة على دولة بأكملها دون صاروخ واحد. وتذكروا أن سبعة سنتات على "الواتساب" أنزلت مليون مواطن إلى الشارع. إن قوة الشعوب ليست فقط في سلاحها، بل في عدالة قضيتها ووحدة صفها وصورتها الأخلاقية.

لذلك، فإن الرد على أي إساءة، مهما علا سقفها، لا يكون بالتسخيف والشتيمة المقابلة، بل باللجوء إلى القانون والدستور، وبالمحاسبة في صناديق الاقتراع. إن وظيفتنا ليست مطاردة مئات الفيديوهات المسيئة التي تُنشر يومياً على الإنترنت بردود تحريضية تضاعف الشرخ. فمن يظن أنه نابغة حين يوزع فيديو مدته دقائق فيه شتم وتسخيف، هو واهم. هم يوزعون له هذه المقاطع ليظهر في المقابل من يشتمه ويسخّفه، وهكذا تنفرط حبات عقد الوئام، ويصبح الجميع ضد الجميع.

علينا أن نلزم أنفسنا بما ألزمنا به الإمام علي: الأخلاقيات، ثم الأخلاقيات، ثم الأخلاقيات. هذه هي حصانتنا الحقيقية. ودورنا في العالم الإنساني سابقٌ لنشوء بريطانيا واكتشاف أمريكا وانطلاقة الثورة الفرنسية التي وضعت الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.

مع احترامي للجميع، هذا قراري. إن كنتم تريدونني أن أستمر بالكتابة، فعليكم تقبلي كما أنا. لم يُسجَّل عليّ في حياتي كلها موقف معارض للمقاومة أو للقيادات الشيعية، خاصة الدينية. فكتاباتي ليست أفكاراً يختلقها عقلي، بل هي نتاج تواصل هائل مع مختلف النخب والشخصيات من كل الطوائف والمشارب.




ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBAANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top