عشرة أيّام فصلت عن الجولة التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي على خمس قرى مارونية جنوبية، على تخوم فلسطين المحتلة، في 9 آب الجاري، وأثارت الكثير من التساؤلات والردود على المواقف التي أطلقها البطريرك فيها حيال المقاومة والإعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان، قبل أن يعود أمس لإطلاق مواقف جديدة في لقاء تلفزيوني أجرته معه “قناة العربية” تدور في الفلك ذاته، لا بل ذهب في كلامه أبعد من المواقف التي أطلقها قبل 10 أيّام.
فخلال جولته الجنوبية توقّف مراقبون عند أمرّين: الأوّل أنّ البطريرك الماروني تجاهل كليّاً الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان في تصريحاته التي أطلقها في محطاته بالقرى الجنوبية الخمس، ما أثار تساؤلات حول هذا التجاهل لمن أُعطي “مجد لبنان” للذي يجلس على كرسي إنطاكيا وسائر المشرق لطائفته؛ والثاني ما قاله أمس بمقابلته التلفزيونية حيث صوّب على حزب الله والمقاومة واضعاً نفسه في محور سياسي على خصومة مع بيئة سياسية وشعبية واسعة تناصر الحزب وحلفائه، وهو موقع ما كان يُفترض أن يضع نفسه فيه لا هو ولا أيّ مرجعية طائفية ودينية كبرى بالبلد، خصوصاً أنّ الكثير من اللبنانيين ينظرون لأصحاب هذه المواقع على أنّها مواقع وطنية وليست مواقع طائفية أو مذهبية فقط، وبالتالي ليس هناك أيّ مصلحة للبطريركية المارونية أن تتحوّل من “مرجعية” وطنية جامعة إلى “طرف” في الصراعات الداخلية والخارجية.
في مقابلته التلفزيونية أطلق البطريرك الراعي مواقف ينتظر أن تستدعي ردوداً كثيرة عليه، منتقدة ورافضة فضلاً عن تلك المؤيّدة والداعمة، وهو كان في غنى عنها إنطلاقاً من موقعه الديني، وستتسبب بانقسام إضافي في السّاحة اللبنانية التي تعاني أصلاً من إنقسامات لا تُعدّ ولا تحصى.
فعندما يشير الراعي إلى أنّ “هناك إجماع لبناني حاسم على تنفيذ قرار نزع سلاح حزب الله”، فهو يدرك قبل غيره أنّ هذا الإجماع غير موجود في بلد لم يحصل فيه، تاريخياً ومنذ نشأته، إجماع على أيّ أمر أو قضية.
أمّا طلب الراعي الأمم المتحدة بـ”تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية”، فإنّه مطلب جديد ـ قديم يعود إلى أيّام ولادة لبنان الكبير عام 1920، لكنّ هذا الطلب لم يكن من قبل من كانوا يطالبون به، من هذا الطرف أو ذاك، أكثر من غطاءٍ للمطالبة بحياد لبنان وابتعاده عن هذا المحور أو هذا البلد المجاور أو ذاك، مقابل الطلب صراحة أو ضمناً بالتحاق لبنان بمحور أو بلد آخر.
الموقف الآخر الذي يُنتظر أن يلقى الراعي ردوداً واسعة عليه هو اعتباره “تدخّل إيران في الشّأن اللبناني سافر”، من غير أن يأتي، لا من قريب أو بعيد، على ذكر تدخّل دول أخرى، إقليمية ودولية، في الشّأن الداخلي اللبناني بكلّ تفاصيله وخصوصياته وزواريبه الضيّقة، إضافة إلى قوله بأنّ “حزب الله جرّد المقاومة من مفهومها الحقيقي”، متجاهلاً دور الحزب وتضحياته في تحرير الجنوب عام 2000، وفي الدّفاع عن لبنان في وجه كيان غاصب لم يبرح يعلن ليلاً ونهاراً أطماعه بالسّيطرة على لبنان وسواه، ويرتكب المجازر والتهجير والدّمار بلا وازع أو رادع أينما حلّ.
The post الرّاعي ينقل بكركي من “مرجعية” وطنية إلى “طرف” سياسي!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .