ما قاله مجرم الحرب بنيامين نتنياهو الملاحَق من محكمة الجنايات الدولية، أثناء مقابلته التلفزيونية مع قناة 24 الإسرائيلية:
«إنني في مهمة تاريخية وروحانية، ومرتبط عاطفياً برؤية «إسرائيل الكبرى»! نتنياهو الذي يريد توظيف الدين في خدمة مشروع صهيوني توسعي جزئياً كان أو كلياً، يشمل ثماني دول عربية، العراق وسورية ولبنان والأردن، والكويت، ومصر، والسعودية، وما تبقى من فلسطين.
تصريح نتنياهو كان بمثابة صفعة قوية مدوية على وجوه كلّ المطبّعين، المتخاذلين، المتواطئين، المنبطحين، الزاحفين، المتآمرين، المهرولين باتجاه «إسرائيل»، والمطبّلين والمتعاونين، والمتحالفين معها، والراكعين على أقدامها! إلى كلّ هؤلاء نقول: مَن كانت لديه ذرة من الكرامة، والعزة، والشرف، والعنفوان، والعروبة الحقة، لا يكتفي بالتنديد، أو بالرفض، أو بالإدانة، لأنه في هذه الحال، تكون الإدانة للضعفاء، للذين لا يفعلون شيئاً لمواجهة العدوان بكلّ حزم، بل يتعاطون مع العدوان، كأمر واقع، بكلّ ما فيه من مهانة، وخنوع، وذلّ وهو يقتحم أبواب ديارهم.
كيف يمكن لدول عربيّة تعترف بدولة الاحتلال وتقيم معها علاقات دبلوماسية، وتحالفات معها، ويصدر عن رئيس حكومتها من كلام يُطال بالصميم سيادتها ووجودها وتاريخها، وبقاءها، ثم تكتفي بتصريحات تصدر عنها، لا طعم لها، ولا رائحة، ولا كرامة لها، دون أن تقطع علاقاتها مع «إسرائيل»، وتوقف أيّ شكل من أشكال التعاون معها؟! ألِهذا الحدّ، رخصت الشهامة والكرامة العربية عند هؤلاء! على مَن يراهنون حتى لا تكتوي جلودهم بنار «إسرائيل»، ويتفادون خطرها عليهم وعلى شعوبهم؟! متى يستفيق هؤلاء المحنّطون، المتخاذلون ليقفوا وقفتهم أمام التاريخ، ويضعوا حداً لهذا الطاعون الصهيونيّ الذي ينتشر رويداً رويداً في ديار العرب؟!
للمغفلين، للقانعين، للساكتين، للصامتين صمت القبور، نقول ما الذي تنتظرونه، لتدبّ فيكم النخوة، وينتفض في عروقكم القليل القليل من حميّة الجاهلية في الدفاع عن الديار، والأرض والإنسان! هل تنتظرون أن تثور فيكم المروءة والشجاعة، عندما تطرق جحافل الصهاينة أبوابكم، وتخرجكم بالقوة من قصوركم؟ إذا كنتم لا تأخذون العبرة من ممارسات وجرائم «إسرائيل» منذ قيامها عام 1948 وحتى اليوم، فمتى ستأخذونها؟! قولوا لنا لماذا كلّ هذه الجيوش، والأسلحة الهائلة، والموازنات العسكريّة الضخمة، وأنتم تقيمون علاقات طيبة مع دولة التوسع الإسرائيلي؟! قولوا لنا من أجل مَن هذا السلاح وضدّ مَن؟ وما الغاية منه، وضدّ مَن ستستخدمونه؟! قولوا لنا مَن هو عدوكم الحقيقي ومَن هو صديقكم وحليفكم الفعلي؟!
تقيمون علاقات دبلوماسيّة وتطبيعيّة، وعلى مختلف المستويات، في حين ترون بأمّ أعينكم جيش الاحتلال الإسرائيلي يتوسع في أراضيكم العربية دون أن يرفّ لكم جفن، لا يكترث بكم، ولا بمواقفكم، لأنه يعرف طبيعة معدنكم جيداً، فيتحداكم على الملأ في عقر داركم، لأنه يدرك مسبقاً مدى ردود أفعالكم الهزيلة، التي لا تمنع العدو من الاستمرار في عربدته وصلفه، وتحدّيه للأمة كلها.
لم تعد تنفع التصريحات ولا الإدانات، ولا الشجب، ولا الاستنكار، فهذه كلها أصبحت فولكلوراً واجتراراً من الماضي، وبمثابة الزبد الذي يتبدّد بسرعة على سطح الماء.
الجامعة العربية، وما أدراك ما الجامعة العربية، التي تعكس بكلّ دقة ووضوح، مدى الهوان والذلّ العربي، وهي التي اكتفت بالتنديد، و»بأشدّ العبارات» التي يخال المرء أنها ستهزّ «إسرائيل» هزاً، بعد أن اعتبرت الجامعة تصريحات نتنياهو بمثابة «استباحة» لسيادة دول عربية، و»محاولة لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة»، وتشكل «تهديداً خطيراً للأمن القومي العربي الجماعي وتحدياً سافراً للقانون الدولي ومبادئ الشرعية الدولية».
يبدو أنّ الجامعة العربية لم تكن لتعرف إلا بعد تصريح نتنياهو، أنّ «إسرائيل» تستبيح سيادة دول عربية وتحتلّ أراضيها وتحاول تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة، وهي ببيانها تعلّمنا شيئاً جديداً عن الشهية العدوانية والتوسعية للعدو!
شكراً للجامعة العربية وأمينها العام التي زوّدتنا بمعلومات لم نكن نعرفها او يعرفها العالم من قبل، وهي أنّ «إسرائيل تحاول تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة»! نعم «إسرائيل» تحاول لأنّ الجامعة العربيّة على ما هي عليه، على قناعة بأنّ «إسرائيل» حتى الآن لم تقوّض سيادة واستقرار وأمن دول المنطقة، ولكنها «تحاول»!
شكراً للجامعة العربية العلية مرة أخرى على لفت نظرنا أنّ «إسرائيل» تحاول، ولكن لم تفدنا الجامعة الموقرة عن الخطوات المقبلة، وما يتوجب عليها وعلى العرب أن يفعلوه لمواجهة «محاولة» العدو تقويض السيادة والاستقرار في المنطقة، مكتفية بمعلوماتها «القيّمة» و»الحصرية» التي لولاها لم نكن لنعرفها!
إننا نتساءل بمرارة، هل تعيش الجامعة العربية فعلاً على هذا الكوكب أم تخاطبنا ببياناتها «الخطيرة» من كوكب آخر؟!
إذا كان شارون قال بعد المبادرة العربية للسلام التي تبناها قادة العرب كلهم في قمّتهم في بيروت عام 2002، إنّ المبادرة لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، فبالله عليك يا «جامعة» العرب، والدول، والزعماء، ما الذي سيقوله نتنياهو بعد تصريحاتكم وتنديداتكم، وتمسككم بالقانون الدولي؟! إنكم تعرفون جيداً ما يقوله عنكم في السر والعلن، لأنه يعلم حقيقتكم بعد أن ارتميتم في الحضن الإسرائيلي، فجعلتم الشقيق عدواً، والعدو شقيقاً، وما عليكم بعد الآن إلا أن تتحمّلوا تبعات ما ينتظر دولكم وشعوبكم، وما سيكتبه التاريخ عاجلاً أم آجلاً عنكم، وما ستردّده الأجيال عمّا فعلتموه بحق الأمة كلها.
إلى المتباكين بنوع خاص، على السيادة في لبنان، واللاهثين وراء قرصان العالم لإضعاف لبنان، وتجريده من قوّته، ومقاومته، قولوا لنا، كيف ستواجهون الاحتلال، فيما التوسع، والتمدّد، الإسرائيلي قادم على الطريق؟! ما الذي ستفعلونه بعد تصريح نتنياهو وتطلعاته المستقبليّة تجاه لبنان؟! كيف ستواجهون عدوانه الحالي، وتوسعه المستقبلي؟! هل ستواجهونه باتباع سياسة حكومة فيشي بقيادة فيليب بيتان الذي تعاون مع الألمان أثناء الاحتلال النازي لفرنسا، وتأقلم معه وكيف؟! أبالتصريحات، والتنديدات، والبكاء على أطلال مبادئ وميثاق الأمم المتحدة، أم بقيام الدبلوماسية اللبنانية باستجداء الدولة العظمى، التي ترعى وتحمي وتدعم اعتداءات «إسرائيل» على الدوام وفي أيّ وقت؟!
أيّها الغيارى على السيادة والأرض في لبنان، لا نريد أن نرى حكومة على شاكلة فيشي، ولا نريد أن نستنسخ صورة فيليب بيتان الثاني. الشعوب لا تغفر لكلّ من يضعها أمام الموت المحتم، يتركها وسط الرمال المتحركة كي تخلص نفسها بنفسها وهو يراها تغرق رويداً رويداً حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة…!