في الشمال، حيث البحر يعانق اليابسة دون ضجيج، تسكن مدينة تُشبه الدعاء في وقت الضيق… لا يُسمع كثيرًا، لكن أثره عميق.
إنها طرابلس، المدينة التي لم تُولد لتتباهى، بل لتُعطي.
مدينة خجولة في حضورها، عظيمة في عطائها، يمرّ بها الزائر مسرعًا فيأخذ من دفئها ما لا ينسى، ويغادر تاركًا وراءه قلوبًا لا تسأل، إلا أن يبقى بخير.
طرابلس لا ترفع شعارات ولا تلمّع صورتها، بل تكتفي بخيراتها… وبأهلٍ خلقهم الله على هيئة كرمٍ ناطق.
طرابلس بنظر أهلها ليست مدينة عادية إنها حكاية تعب، تفتح أبوابها كل صباح دون منّة، تقدم الأفضل دون الحاجة الى الثناء، لا تملك رفاهية الترف، لكنها تملك الكرامة، والجود، وعمق الانتماء، وكل مرة تحاول فيها أن ترفع رأسها، يأتي من يطفىء نورها عامدا” متعمدا”.
في عالم الأعمال، لا يُقاس النجاح بعدد المتابعين، ولا بحجم الضجيج، بل بصدق الرسالة، وجودة الخدمة، وأخلاق الطريق.
في قطاع مثل قطاع المطاعم، حيث يتذوّق الزائر أكثر من الطعام – يتذوّق الاحترام، والمصداقية، والذوق العام، نرى للأسف بعض الجهات المنافسة وقد اختارت طريق التشهير والإساءة بدل أن تجتهد في تحسين نفسها وبناء سمعتها.
حين يشهّر أحدهم بمطاعم مدينة طرابلس، فإنه لا يخدم سوى غروره الشخصي، ونقصه المهني، وفقره الأخلاقي.
الاعتذار هنا لا يُصلح الضرر المقصود… لأن الكلمة كانت خنجرا والنية كانت فاسدة أصلا والتشهير لم يكن زلّة لسان بل قرار إعلان حرب… حين يُخطط له، ويُكتب، ويُصمّم، ويُنشر… فلا يُمكن أن يُعتبر سوء فهم.
لا يُمكن أن نُسامح على حملة تشهير أضرت بسمعة جهة عملت بصدق. ولا يُمكن أن تصلح كلمة نعتذر ما أفسده فيديو أو إعلان نُشر عمدا بقصد الكسب غير المشروع .
الاعتذار هنا لا يُعيد ثقة، ولا يُرمّم كرامة، ولا يُنهي الأثر السيئ الذي ينتشر كالنار في الهشيم.
مطاعم طرابلس إجتهدت ونجحت وكانت مثالا للمنافسة الشريفة والتميّز الحقيقي.
طرابلس لم تحتج يومًا أن تُشهّر بأحد، ولا أن تُهاجم منافسًا، لتفرض حضورها في مشهد الطعام اللبناني والعربي، لقد فعلت ذلك بما هو أصدق: الجودة، الأصالة، والذوق الرفيع.
مطاعم طرابلس لم تُروّج لنفسها عبر الانتقاص من الآخرين… بل رَوَت حكايتها بصمت، عبر الطعم، والكرم، والاحترام وهذا هو الفرق الحقيقي.
في كل مرة تختار جهة ما أن تُسيء لمنافسها، تظن أنها تنتصر. لكنها في الحقيقة تُسقط نفسها، وتُظهر للعالم فقرها المهني، وضيق أفقها.
أما الجهات التي تعمل بشرف — كما فعلت وتفعل مطاعم طرابلس — فهي لا تحتاج إلى أن تتحدث عن غيرها، لأنها ببساطة تتحدث عن نفسها، من خلال ما تُقدّمه، ومن خلال ما تُحترم به.
المدن العظيمة لا تصرخ … لأن المجد لا يصنع بالضجيج وإنما بالكرامة.
وإذا سقطت الأخلاق في طريق المنافسة، فلن يُصلحها اعتذار.
لأن ما يُكسر عمدًا… لا يُجبر بالكلمات بل بالقانون.