بعد قرابة 20 عاماً عاد الزمن ليُكرّر مشهدية سياسية تبدو في الشّكل مشابهة لما عاشه لبنان قبل نحو عقدين، من أزمة سياسية عكست الإنقسام السّياسي العمودي والحاد بين مكوناته السياسية والطائفية، والتدخّلات والضغوطات الخارجية التي أدخلت البلاد في أتون أزمة سياسية لا تبدو الحلول لها والمخارج منها واضحة المعالم.
ففي العام 2006 ساد التوتر جلسة التشاور بين الزعماء اللبنانيين عندما أصرّ رئيس الحكومة حينها فؤاد السّنيورة على عقد جلسة خاصّة لحكومته، في 11 تشرين الأوّل من ذلك العام، لإقرار مشروع النظام الداخلي للمحكمة الدولية التي ستنظر في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري، فكانت نتيجة الإنقسام الذي ساد حينها إستقالة الوزراء الشّيعة الخمسة من حكومة السنيورة، قبل أن يتبعهم بيومين إستقالة الوزير المحسوب على رئيس الجمهورية السابق حينها إميل لحّود.
تلك الإستقالة أعقبها بأيّام، في 1 كانون الأوّل من ذلك العام، إعتصامات واسعة في العاصمة بيروت والمناطق، وسط إنقسام سياسي وتوتر بلغ ذروته في جلسة الحكومة في 5 أيّار من العام 2008 التي أقرت إلغاء شبكة إتصالات حزب الله، ما أدّى بعد 48 ساعة عامها إلى اندلاع أحداث 7 أيّار التي أجبرت حكومة السنيورة بعد ذلك بأيّام، في 14 من الشّهر نفسه، على التراجع وإلغاء القرار، قبل أيّام من إتفاق الدوحة الذي عُقد في العاصمة القطرية في 21 أيّار عامها وأفضى بعد أربعة أيّام إلى انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، لينهي بذلك الفراغ الرئاسي والأزمة السّياسية التي وضعت مصير البلاد في مهبّ الرّيح.
يوم أمس تكرّر المشهد نفسه تقريباً، عندما وافقت حكومة الرئيس نواف سلام في جلسة عقدت في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، ووسط إنقسام سياسي عمودي وحاد لم يغادر لبنان، على الأهداف الواردة في الورقة الأميركية، وعلى إنهاء الوجود المسلّح على كامل الأراضي بما فيه حزب الله، ما دفع الوزراء الشيعة في الحكومة إلى الإنسحاب من الجلسة إعتراضاً، إنّما من دون تقديمهم إستقالاتهم منها حتى السّاعة.
لكنّ تلك الموافقة من حكومة سلام على الورقة الأميركية، وهي موافقة على الخطوط العريضة لها دون الدخول في التفاصيل بانتظار جلسات حكومية أخرى، طرحت عدّة تساؤلات حول إنْ كان الوزراء الشّيعة الخمسة سيشاركون في جلسات الحكومة المقبلة أم سيقاطعونها، وهل سيكتفون بالمقاطعة أم سيقدمون إستقالاتهم منها، وكيف ستكمل حكومة سلام مناقشة بقية بنود الورقة الأميركية في غيابهم، وكذلك تسيير شؤون البلاد في ظلّ مقاطعة وزراء طائفة بأكملها لها، وهل أنّ ذلك سوف يؤدّي إلى زيادة منسوب التوتر السّياسي والأمني كما حصل في العام 2008، ويُكرّر التاريخ نفسه، برغم تبدّل الظروف والمعطيات في لبنان وفي المنطقة على نحو واسع، ويؤدّي في نهاية المطاف إلى تراجع حكومة سلام عن قرارها بخصوص الورقة الأميركية، وعقد مؤتمر جديد وتسوية سياسية تشبه إتفاق الدّوحة لإنهاء الأزمة؟
لا يوجد أيّ جواب حتى الآن على أيّ سؤال من الأسئلة المذكورة وغيرها، وحدها الأيّام المقبلة وتطوراتها تحمل الأجوبة عليها، لكن من المؤكّد بين كل ذلك هو أنّ لبنان قد دخل مرحلة جديدة وعميقة من الإنقسام السّياسي وضعت مصيره مجدّداً في مهبّ الرّيح والعواصف التي تضربه من كلّ جانب.
موقع سفير الشمال الإلكتروني