أكثر من مؤشّر كان يترك إنطباعاً أنّ جلسة الحكومة، أمس، لن تخرج بقرار حول مصير “السّلاح غير الشّرعي” إنطلاقاً من مبدأ حصر السّلاح بالجيش اللبناني وحده، وهو الأمر الذي تحقق بعد انتهاء الجلسة التي أفضت إلى تأجيل البحث بملف السّلاح إلى جلسة أو جلسات لاحقة ستعقد في الأسبوع أو الأسابيع المقبلة.
أبرز هذه المؤشّرات أنّ ملفاً بهذا التعقيد السّياسي والأمني والطائفي من غير الممكن البحث به وبتّه واتخاذ قرار بشأنه في جلسة واحدة، برغم الضغوطات الخارجية الهائلة التي مورست على الحكومة، ولم يسبقه أو يرافقه “حوار” داخلي من شأنه التفاهم على توافق حول ملف السّلاح (المعني هنا حزب الله أولاً ومن ثم الفصائل الفلسطينية) من غير إيجاد ضوابط وضمانات لم يتم التوصل إليها أو الحصول على الحدّ الأدنى منها.
وفي الشّكل فإنّ غياب وزيرين شيعيين عن الجلسة وإنْ بداعي السّفر، هما وزيري المال والعمل، أعطى مؤشّراً أنّ الجلسة لن تخرج بقرار حاسم وإلا لكان الوزيران من أول المشاركين في الجلسة، كما أنّ تأجيل بند السّلاح ليكون الأخير في الجلسة بعد أن كان بنداً أولاً على جدول أعمالها، ترك إنطباعاً أنّ التأجيل إنّما يهدف إلى نزع فتيل ملف خلافي من شأنه تطيير الجلسة وتفجير الحكومة، وليس إعطاء الملف حقّه من النقاش المستفيض الذي استغرق نصف وقت الجلسة للخروج بقرار مناسب.
لكنّ هذا القرار المناسب الذي خرجت به الحكومة أمس نشب حوله فوراً جدلٌ واسع يتوقع أن تتسع دائرته في الأيّام المقبلة، وهو قرار كشف عنه رئيس الحكومة نوّاف سلام في كلمة ألقاها في ختام الجلسة، يتمثل في “تكليف الجيش اللبناني وضع خطّة لحصر السّلاح قبل نهاية العام الحالي”.
في المضمون يبدو القرار رمي السّلطة السّياسية ـ أيّ الحكومة ـ ملف السّلاح على كاهل الجيش، بدل أن تكون الحكومة هي المسؤولة مباشرة عنه على أن يكون الجيش مساعداً أساسياً وطبيعياً لها، وطرح القرار أسئلة لم تجد أجوبة عليها، من أبرزها هل بإمكان الجيش، في ظلّ الإنقسام السّياسي الحاد، وضع الخطة المنتظرة، وإذا وضعها كيف ومن سيطبقها، وهل هناك غطاء سياسي داخلي وخارجي يُسهّل تنفيذ هذه الخطة كما حصل عندما جرى تنفيذ إتفاق الطائف 1989؟
يُضاف إلى ذلك فإنّ الإعتراض من قبل حزب الله وحلفائه والفصائل الفلسطينية وغيرها يتمثل في طلبها الحصول على ضمانات لم تجد حتى الآن من يلبيها أو يُؤمّن الحدّ الأدنى منها، وعلى رأسها وقف الإعتداءات الإسرائيلية وتأمين الحماية مستقبلاً من أيّ عدوان إسرائيلي محتمل، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، في لبنان بالنسبة لحزب الله وحلفائه وفي فلسطين المحتلة بالنسبة للفصائل الفلسطينية، وإطلاق سراح جميع الأسرى، وإعادة إعمار المناطق المتضرّرة بما يُسهّل إعادة النّازحين والمُهجّرين إلى منازلهم ومناطقهم.
هذه الأسئلة والمطالب والشّروط من يستطيع الإجابة عليها وتلبيتها، وهل يمكن في غضون الأشهر الخمسة المقبلة حلّ معضلة لم تجد حلاً لها منذ أكثر من خمسين عاماً عندما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وقبل ذلك بسنوات تعود إلى نشأة إسرائيل عام 1948 التي انتهجت نهجاً عدوانياً ما يزال مستمراً ومتصاعداً؟..
موقع سفير الشمال الإلكتروني