2025- 08 - 18   |   بحث في الموقع  
logo مخزومي: تطبيق القرار الحكومي ليس مطلباً دولياً بل لبنانيًا بحتًا logo الحاج عن الرئيس بري: عنده دائمًا الخبر اليقين والوصفة للوصول اليه logo لقاء جمع كريمة والسيد وزمرلي مع سفير الجزائر في طرابلس : تأكيد تعزيز الروابط التاريخية logo قنبلة صوتية من مسيّرة إسرائيلية تُصيب 3 عمال في الخيام logo سلام: على أميركا الضغط على اسرائيل لوقف الأعمال العدائية logo قائد الجيش عرض الاوضاع مع برّاك وأورتاغوس logo سلام: ندعو لإعلان التزام دولي واضح بعقد مؤتمر لدعم إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في لبنان logo ترامب قبيل اجتماعه بزيلينسكي: استعادة القرم وعضوية الناتو غير واردين
لارا الحايك… خمس سنوات من الغياب في وطن لا يسأل
2025-08-04 15:57:00




في الرابع من آب, تعود ذكرى انفجار مرفأ بيروت إلى الواجهة, تُرفع الصور, تُنثر الزهور, وتُضاء الشموع في الساحات. مشهد اعتاد عليه اللبنانيون في كل عام, لكنه غالباً ما يتحوّل إلى مناسبة رمزية تُمارَس أمام عدسات الكاميرات, قبل أن تُطوى الذكرى مجدداً, ويُترك ضحايا الانفجار في دائرة الإهمال والنسيان.


لكن ماذا عن أولئك الذين لم يغيبوا بالموت, ولم يحضروا بالحياة؟ ماذا عن الذين تركهم الانفجار بين السماء والأرض, لا أحياء تماماً ولا أموات؟

لارا الحايك واحدة منهم.


لم تكن لارا الحايك في محيط المرفأ عند وقوع الانفجار, بل كانت داخل منزلها, في منطقة تُعدّ آمنة نسبياً. إلا أن انفجار الرابع من آب تجاوز كل التقديرات الجغرافية, وتخطّى حدود المنطق, فأصابها بجروح بالغة رغم المسافة, وأدخلها في غيبوبة لم تستفق منها حتى اليوم.


منذ ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢٠, ولارا ترقد في مركز بحنس الطبي. خمس سنوات تمضي, وهي بين الحياة واللاوعي, تتنفس عبر أنبوب في رقبتها, وتتغذى من فتحة في بطنها. لا حركة. لا استجابة. لا عيون تُفتح.

وكل ما حولها أصبح عادة, ممرضة تدخل وتخرج, أمّ تهمس لها بأمل صعب, وأجهزة مراقبة تُعيد نفس الأرقام على الشاشة.


في بلد يحترم نفسه, كانت لارا لتكون من أولويات الدولة, لا منسيّة على سرير غيبوبة طويل. فهي ضحية موثّقة لانفجارٍ خرج من مستودعات الإهمال, لا من عبث الصدفة.

في بلد طبيعي, كانت لتحظى برعاية لا تنقطع, وضمان لا يُربط بالمزاج.

لكننا في لبنان, حيث تُهدر الإمكانات على ما يبدو طارئاً في العلن, ويُهمَل ما هو واجب في الخفاء. حيث تُصرف الجهود على تحسين الصورة, لا على تضميد الجراح. وحيث مَن لا يصرخ, لا يُسمع, ولو كان صمته شاهداً دامغاً.


بصفتي المحامي المكلّف بمتابعة الملف عن مركز بحنس الطبي التابع لجمعية راهبات المحبة, يمكنني التأكيد أن المركز, بإدارة السيد ميشال شاهين, تحمّل على مدى سنوات مسؤولية رعاية لارا الحايك بكثير من الالتزام و الثبات. ورغم تلقّيه تغطية خجولة من الجهات الرسمية في بعض المراحل, إلا أن تلك المساعدات بقيت محدودة وغير كافية لتأمين حاجاتها الطبية المستمرة. وبفضل المتابعة اليومية الحثيثة من راهبات الجمعية ومن مدير المركز و الطاقم الطبي و التمريضي, استمر المركز في تقديم الرعاية اللازمة دون انقطاع, متحمّلاً العبء شبه الكامل, المادي والإنساني, في ظل غياب أي دعم فعلي مستدام من الدولة.

وما يُطلب اليوم من المعنيين ليس تفضّلاً, بل جزء من واجبهم. لا نطلب أكثر من تغطية نفقات علاجها – تلك النفقات التي تراكمت شهراً بعد شهر, بلا جواب, وبلا لفتة.


لا نريد تكريماً. لا تمثالاً. نريد فقط أن تتحمّل الدولة مسؤوليتها أمام فتاة دفعت ثمناً لم تختره, ولا تزال تدفعه بصمت.


لارا لا تعرف ما جرى. لا تدري أن جرحها صار تاريخاً يُحيى كل سنة. لا تدري أن الناس يذكرون المرفأ ثم ينسونه.

لكننا نعرف. نعرف أن لارا ليست وحدها. وأن غرفتها الصغيرة في مركز بحنس الطبي تمثل غرفة منسية في ضمير الوطن.


من حقها أن يُعاملها بلدها كما لو أنها حيّة تُرزق. لأنها كذلك.

ومن واجبنا أن لا نسمح أن تُنسى, لا في الذكرى, ولا بعدها.




Damo Finianos



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top